مقال

العمل التقليدي والعمل عن بعد

ٱلْبَاحِث وٱلمُحَاضِر / ٱلْدُكتُور إِبْرَٱهِيم رُشْدِي ٱلْشُلقَامِيِ

انتشر على الصعيد العالمي نظام العمل عن بعد حيث تلجأ المنشآت و الأفراد للاستعانة بأفراد يعملون من المنزل أو أي مكان عبر الانترنت، فنظام العمل عن بعد يحقق بيئة عمل مشتركة وفوائد اجتماعية واقتصادية وبيئة يستفيد منها الجميع، وأصبحت الشركات والمؤسسات تلجأ إلى العمل عن بعد في مختلف التخصصات وفي الأعمال المكتبية على الأخص كمجال البرمجة وأعمال الهندسة والمقاولات المكتبية والتسويق على سبيل المثال لا الحصر، فالعمل عن بعد يتطلب موظف يعمل في المنشأة ويستخدم تقنيات المعلومات والاتصالات ويستلزم أن يؤدي عمله في مكان مختلف عن مقر المنشأة سواء أكان بدوام كلي أو جزئي، فالعمل الحر”المستقل” بدوام كلي ويعني اعتماد الفرد على العمل الحر كعمل أساسي، والعمل الحر”المستقل” بدوام جزئي ويعني اعتماد الفرد على العمل الحر كعمل ثانوي.
كما يفترض في كلاً من تلك الأعمال أن يكون الموظف لديه بعض المهارات الأساسية على سبيل المثال”اتخاذ القرارات وحل المشاكل، الاتصالات والتخاطب مع الآخرين، إدارة الوقت، الخبرة العملية، القدرة على العمل منفرداً”
فالعمل التقليدي يعتمد على المركزية والتسلسل الهرمي ويرتبط بكيان المنشأة ويغلبه الروتين والتحكم بوقت عمل محدد ولا يضطرر القائم عليه بمواكبة التطورات بصورة كبيرة ويتعلق بإنجاز المهام واحدة تلو الأخرى وتكون فيه الخدمات متاحة فقط للعملاء أثناء وقت العمل ويكون فيه معدل طلب الإجازات المرضية مرتفع كما أن الإنتاجية تكون ذات مستوى محدود استناداً لهدر الوقت أثناء التنقل.
أما العمل عن بعد فيعتمد على التمكين ويقبل التغيير ويرتبط بالعلاقات والأفكار والتواصل والشبكات والتركيز وسرعة النتائج وتحكم الموظف بإدارة وقته والاضطرار لمواكبة التطورات وإنجاز مهام متعددة في ذات الوقت وإتاحة الخدمات للعملاء أثناء وقت العمل وخارج وقت العمل كما يتميز بقلة طلب الأجازات المرضية ويكون الإنتاج اكبر و التخطيط أدق لتوافر عامل الوقت وعدم هدره.
لا شك أن هناك دوافع تجعل من تطبيق نظام العمل عن بعد حاجة أساسية للمنشآت من حيث طبيعة عملها فضلاً عن كونها تعمل في المجال الالكتروني الرقمي، كما يعد العمل عن بعد حلاً مناسباً لمشكلة نقص المهارات في استخدام التكنولوجيا والاتصالات وبذلك يكون لديها الفرصة للعمل في المجالات التي تناسبها، كما يمكن من خلاله أيضا شغل وظائف كانت تعاني من نقص في الكوادر المناسبة لها، كما أن التأثير الإيجابي على إنتاجية العامل تتميز بكثير بتطبيق نظام العمل عن بعد لاسيما تفادي الزمن المهدر مع العملاء وبين الموظفين مع بعضهم البعض ناهيك عن التنقل في العمل منه واليه.
تحتاج الشركات للعمل الحر المستقل سواء بدوام جزئي أو كلي لتولي موظفين مستقلين لأعمال مؤقتة مما يوفر على الشركة تكبد رواتب دائمة، كما أن وجود موظفين متجددين بشكل مستمر في العمل المؤقت يولد أفكار جديدة وغير مسبوقة ويتلاشى بذلك النمطية والتكرار، كما يستخدم التعاقد المؤقت في بعض الأحيان كدعاية مجانية للمنشأة، كما أن الموظفين المستقلين يوفرون مهارات من كافة المجالات للشركة ونقل وتبادل الخبرات بين الموظفين.
فالوظائف المؤقتة في عمومها ترتبط بالمشروعات الحيوية أو الأعمال الدقيقة كما ترتبط بأطر زمنية محددة.
قرار التوظيف عن بعد متى يجانبه الصواب؟ ذلك عندما تكون في أمس الحاجة لنقل معلومات معقدة أو في مرحلة إطلاق مشاريع جديدة أو في حل مشكلة كبيرة أو في مرحلة تطوير أحد الأدوات الرئيسية في العمل.
لذا عند استخدام نظام العمل عن بعد يجب أن تستخدم فرقاً لأداء العمل ويستلزم ذلك بناء هيكل للفريق بعيداً عن العوائق البيروقراطية ومنح السلطات اللازمة للأعضاء للعمل معاً بشكل خلاق وفعال وتصميم المهام تصميماً جيداً مع وضوح معايير السلوك ووفر الاستقلالية لفعل ما يجب القيام به لإنجاز العمل، وأن تكون المجموعة مؤلفة بشكل جيد وأن تكون صغيرة قدر الإمكان لإحكام السيطرة و سهولة الإدارة نوعاً ما على أن تكون متنوعة من حيث الشخصيات والمهارات ووضع معايير ومواصفات واضحة لسلوك الفريق لمواصلة المهام فيما بينهم ولا نغفل عن أنظمة الدعم والتي تشتمل على الدعم الفني والمادي وتوفير المعلومات والتدريب إن تم الاحتياج إليه.
للعمل عن بعد فوائد منها ما يعود للفرد ومنها ما يعود للمنشآت ومنها ما يعود للمجتمع، فالأفراد الذين يعتمدون على الأعمال الحرة يتمتعون بحرية كبيرة في اختيار الأعمال، كما أنه يتجه إلى تخفيض مصروفاته الشخصية المترتبة على عدم تنقله من وإلى العمل، كما يمنح فرص جيدة لعمل المرأة من المنزل وتربية الأولاد أيضاً ناهيك عن الإشراف المستديم من الأبوين، أيضاً تجنب العلاقات الغير محفزة للعمل كالتصادم بين مدير العمل ومرؤوسيه، يسهل عملية تنظيم الوقت كما يحقق توازن بين العمل والواجبات الأسرية والمجتمعية، تقديم الأسلوب المناسب في التركيز على نتيجة الأعمال أكثر من أسلوب التبعية الروتينية.
كما أن المنشآت تنخفض جهودها وتكاليفها المتكبدة في متابعة الموظفين، لاسيما في المكاتب التقليدية والزمن الضائع بين الاجتماعات والزيارات الغير مثمرة، كما يمكننا القول بأن مستوى الجودة بالإمكان مراجعته و تحسينه ورفضه بأسهل وأقل التكاليف مما يؤثر تأثير إيجابياً على رفع مستوى الجودة، توفير أماكن ومباني مقرات العمل في الشركات بما هو لا جدوى منه، الاستفادة من الخبرات العديدة من مناطق قريبة أو بعيدة وبأقل التكاليف، التطور وتنمية المهارات للمفاضلة بين القائمين على ذات الأعمال وإنجاز الأعمال بالجودة والوقت المحددين، تقديم الخدمات للعملاء في كافة الأوقات الرسمية وغير الرسمية بالتواصل الإلكتروني عن بعد، الاستفادة من المهارات من ذوي الهمم الذين يعانون من صعوبة الحضور لمقرات العمل، سهولة توفير اللجان الاستشارية من أنحاء مختلفة لتأدية نفس الأعمال مما يساهم في تأدية المهمة بشكل أفضل، كما قد يستخدم التوظيف المؤقت كأصل من أصول الشركة يتم استخدامه لفترة قصيرة بصفة مؤقتة وفي حالة الرغبة في بقاء الأفضل فيتم تعيين الشخص المناسب بصفة دائمة.
الآثار الاقتصادية للعمل عن بعد تظهر بوضوح في التوظيف والإنتاجية وتكافؤ فرص العمل فينتعش بذلك اقتصاد البلاد وتزداد فرص الاستثمار في المجتمع، أيضاً تخفيض الازدحام المروري وتبعاته من حوادث سيارات، تنفيذ الأعمال من كافة أفراد المجتمع في كل المجالات مما يعود بالإيجاب على الدخل القومي والدخل العام مما يتبعه زيادة دخل الفرد، المساهمة في حماية البيئة بتقليل الغازات المنبعثة والترشيد في استخدام الطاقة بمختلف أنواعها، تحقيق مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع بغض النظر عن الفئة العمرية أو النوع.
وهناك بعض المآخذ على العمل عن بعد منها على سبيل المثال عدم ثبات العمل وعدم ثبات الدخل وفقدان التأمينات والمعاشات والاضطرار للعمل لساعات إضافية لتحقيق المهمة المطلوبة دون جدوى إضافية، ولكن يمكن التخفيف من حدة هذه المشكلة من خلال التواصل مع عدد كبير من منصات توفير المشاريع والأعمال واتخاذ بعض السياسات المالية للادخار في المحفظة المالية وبهذا يمكن التغلب على هذا المأخذ، كما يصبح العاملون عن بعد في عزلة اجتماعية وبصفة خاصة في الوظائف الروتينية والافتقار على حافز الاتصال الشخصي والتغذية الراجعة المنتظمة، إلا أن المنشآت يتوجب عليها تنظيم بعض الاجتماعات الضرورية لمناقشة بعض القضايا الهامة في مقر الشركات أو المكاتب المستأجرة على الأقل مره واحده شهرياً أو ربع سنوياً أو حسب ما تقتضيه المصلحة وبالتالي يمكن التغلب على هذا المأخذ أيضاً، كما أن فقد فريق العمل للحافز من الزملاء على تأدية العمل بما هو مطلوب لذا يتطلب الأمر وضع نظم وسياسات وإجراءات جيدة لتسهيل عملية الاتصال بينهم وبذلك يتغلب على هذا المأخذ.
هناك أيضا بعض المآخذ التي يصعب التغلب عليها كالافتقاد للتشريعات التنظيمية والقانونية لتحديد الأجور والعلاقات والارتباطات بين الموظف وصاحب العمل، عدم إمكانية مباشرة كل الأعمال عن بعد لكون كثير من الأعمال تحتاج إلى مجهود بدني ويتطلب التواجد بمقر الأعمال، أيضا احتياج العمل عن بعد لوسائل تقنية غير متاحة في كل الأماكن لكل الأفراد فسيكون هناك محدودية للاستخدام، ضرورة وجود وسيط تقني وهذا قد لا يكون متلائم مع الأخر ناهيك عن درجة التعليم والكفاءة في التواصل بينهم.
وبذلك يتبقى القرار لكل منشأة كما تراه مناسباً لمنتجاتها وخدماتها وبقائها على أرض الواقع من مباشرة العمل التقليدي أو العمل عن بعد حسب الحاجة والتخصص المطلوب.

اظهر المزيد
إغلاق