مقال

قراءة في تقرير حالة المدن السعودية 2019 (2/5) اتجاهات التحضر الناشئة في المملكة

عبدالإله بن عبدالعزيز آل الشيخ
خبير سياسات التنمية والتطوير

صدر حديثاً، عن برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat)، بالتعاون مع وزارة الشؤون البلدية والقروية، تقرير “حالة المدن السعودية 2019م”، وهو بحق من أشمل التقارير التي اطلعت عليها في السنوات الأخيرة، والتي تشخص حال المدن والتنمية الحضرية والإقليمية والفجوة ما بين الريف والحضر في المملكة.
وسنحاول من خلال هذه القراءة المتأنية، عبر سلسلة حلقات لا تتجاوز الخمس، فهم حالة المدن السعودية عبر عقود من التنمية المتواصلة والجادة من أبناء هذا الوطن المعطاء.
نستكمل في هذه الحلقة، قراءتنا في التقرير المكون من ستة فصول، ويفرد فصله الأول كاملاً للنظر في النمو المتسارع في التحضر، حيث وصل مستوى التحضر العمراني إلى 83 في المئة عام 2015، ارتفاعاً من21 في المئة عام1950. ويركز الجزء الأول من هذا الفصل على اتجاهات التحضر في المملكة في محاولة لفهمها، سواء لناحية الاتجاهات الديموغرافية (أي السكانية)، والتي تتسم بالنمو السريع بين 1950 و2015، حيث ارتفع عدد سكان المناطق الحضرية 25 ,5 مليون نسمة بما يوازي 40 ضعفاً، أو في التغيير في هذه الاتجاهات سواء في تنامي عدد السكان المسنين فوق 65 سنة كونهم يشكلون 2.6 في المئة عام 1985 إلى 3.1 في المئة عام 2015، مقابل انخفاض في نسبة الأطفال والشباب، إضافة إلى السكان المنتجين في نفس الفترة. ويتوقع زيادة السكان المسنين إلى 6.6 في المئة في 2030 وإلى 16.7 في 2050. ومع ذلك، لا يزال الشباب يمثل نسبة كبيرة من السكان السعوديين، ما يشكل تحدياً، وفي نفس الوقت، فرصة كامنة لإدماج طاقاتهم وقدراتهم الإبداعية، وتعزيز مشاركتهم في عمليات التنمية الحضرية المستدامة، كما يشير التقرير.

الهيمنة الحضرية
وفي ناحية أخرى هناك موضوع التركز الإقليمي للسكان والتركز السكاني في المدن الكبيرة، وكذلك موضوع الهيمنة الحضرية، وكلها تشكل نواتج لسياسات سابقة وبعضها مستمر منذ 40 عاماً، ولا بد من النظر إليها كما ننظر في تنويع القاعدة الاقتصادية، حيث نجد أنه في عام 2017 أظهرت إحصائية أن 66 في المئة من سكان المملكة يتركزون في ثلاث مناطق رئيسية ( 26 في المئة في منطقة مكة المكرمة، 25 في المئة في منطقة الرياض، و15 في المئة في المنطقة الشرقية)، وهو ما يعرف بمحور تنمية الوسط جدة – لرياض – الدمام، ويتناوله الفصل في معرض تقصيه عن الخلل في التوزيع المكاني للسكان والأنشطة والخدمات في مناطق المملكة.
وخلال الفترة البسيطة الماضية، وانا اكتب المقال سمعنا بأطروحات ومستهدفات من بعض المسئولين كمضاعفة سكان مدينة الرياض خلال 10 سنوات القادمة مع استثمار هائل في البنية التحتية تتجاوز مجموع ما انفق في 40 عام، وكانه إصرار على الدفع بسياسات تكرس الهيمنة الحضرية والتي لها ابعاد اقتصادية واجتماعية وبيئية سلبية مثبتة دولياً في كثير من المدن والأقاليم، مما يحدوا بنا للتريث في هذا التوجه ومناقشته مناقشة علمية وموضوعية ضمن مناقشة التحديات التي استعرضها التقرير في هذا الفصل والتي نوردها باختصار هنا، وذلك لتحقيق ما هو في مصلحة التنمية المستدامة والشاملة لجميع مناطق المملكة.

تحديات التحضر
أما الجزء الثاني من هذا الفصل، فيركز على تحديات اتجاهات التحضر وهي كثيرة، ما يشير إلى حجم الجهد المبذول، والتحليل باستخدام البيانات المتوفرة لفهم وتشخيص هذه التحديات، لتعرض بكل موضوعية أمام صناع القرار والمؤسسات التخطيطية والاستراتيجية، ونحاول تلخيصها من خلال عرض عناوينها بشكل عام وهي:
● تحديات التنمية غير المتوازنة.
● تراجع وصول وانتشار التنمية في المناطق المستهدفة.
● تراجع دور الاقتصاد الريفي في الناتج المحلي الإجمالي، والحاجة إلى مناطق حضرية جديدة وأنماط الاستهلاك غير المستدام.
● الاستهلاك غير المستدام للأراضي الحضرية -الزحف العمراني.
● تزايد نمط الاستهلاك غير المستدام للمياه وللطاقة وانبعاثات الاحتباس الحراري الكربونية.
● توفير الإسكان الميسّر.
● تحديات إدارة النمو الحضري.
● سياسة مراكز النمو: تحديات التركز السكاني والتباينات الإقليمية.
● تحديد النطاق العمراني للمدن السعودية: تحديات الكتل العمرانية المتجاورة.
● تحديات الحوكمة الحضرية.

وهنا من المهم جداً التوضيح أن هذه التحديات ليست حكراً على المملكة فقط، إذ أن كثيراً من الدول في العالم، وخصوصاً تلك التي تتميز بسرعة النمو في عدد سكانها وبسرعة التنامي الحضري، واجهت وتواجه هذه التحديات سواء بعضها أو جميعها. لذلك فان استعراضها هنا هو لتشخيص الحالة بشكل موضوعي وشامل، بهدف المساعدة في وضع أجندة وطنية للتنمية الحضرية والتي أرجو من الله، أن يعيننا جميعاً سواء كنا عاملين في القطاع التنموي أو باحثين أو ممارسين، أن نأخذ بزمام المبادرة تحت مظلة رؤية 2030 الشاملة، والبدء في رسم البرامج والسياسات التي تبداً في معالجة هذه التحديات.
من يرغب في الاطلاع على مزيد من التفاصيل يمكنه الدخول إلى موقع برنامج مستقبل المدن السعودية تقرير حالة المدن السعودية 2019.
_____

في الحلقة المقبلة:
الاستدامة الحضرية

اظهر المزيد
إغلاق