مقال

قراءة في تقرير حالة المدن السعودية 2019 (1/5)

أجندة تنمية حضرية وطنية للمملكة

عبدالإله بن عبدالعزيز آل الشيخ
خبير سياسات التنمية والتطوير

صدر حديثاً، عن برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat)، بالتعاون مع وزارة الشؤون البلدية والقروية، تقرير “حالة المدن السعودية 2019م”، وهو بحق من أشمل التقارير التي اطلعت عليها في السنوات الأخيرة، والتي تشخص حال المدن والتنمية الحضرية والإقليمية والفجوة ما بين الريف والحضر في المملكة.
وسنحاول من خلال هذه القراءة المتأنية، عبر سلسلة حلقات لا تتجاوز الخمس، فهم حالة المدن السعودية عبر عقود من التنمية المتواصلة والجادة من أبناء هذا الوطن المعطاء.

يعكس تقرير “حالة المدن السعودية 2019م”، مدى الجهد الكبير الذي بذله معدوه، والذي شارك فيه عدد من الخبراء والمختصين في مجالات مختلفة، سواء اقتصادية أو حضرية أو جغرافية أو بيئية أو هندسية أو ديموغرافية أي علم السكان. كما شارك فيه عدد من الخبراء السعوديين الذين نفخر بهم كثيراً، بالإضافة لخبراء دوليين، وقد تخلل هذا العمل انتاج عدد من الدراسات، وعقد ورش العمل وندوات ومؤتمرات، تمت خلالها مراجعة تجربة تنموية استمرت قرابة 70 عاماً؛ ما يعني أن هذا التقرير هو نتاج لعمل تضافري جبار، وشراكة دامت 7 سنوات، بين وزارة الشؤون البلدية والقروية وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat)، في برنامج مستقبل المدن السعودية.

ويضم هذا العمل عدداً كبير من التقارير والدراسات التي تشخص حال مدن المملكة الـ 17 المشاركة في البرنامج، إضافة إلى تقارير خاصة بوضع رؤية شاملة لكل مدينة على حدة، وتقارير الازدهار لكل مدينة؛ وهذه كلها متاحة لكل من يريد الاطلاع عليها في موقع البرنامج.

ورغم أهمية هذا العمل الكبير، الذي كنا كمختصين وممارسين بانتظار صدروه رسمياً؛ فقد خرج للجمهور على استحياء، من خلال وضعه على موقع البرنامج الإلكتروني، حيث أنه لم يحظ بالمستوى المطلوب والمناسب من التغطية الإعلامية، ولا نظمت أي فاعلية لإطلاقه رسمياً، كما أنه لم يتم الإعلان عن تبني الوزارة لفرضياته وتوجهاته؛ وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: هل للبرنامج أجندة تنموية مختلفة عن أجندة الوزارة؟

وانطلاقاً من هنا، ولتوضيح الصورة، نأمل أن يتم تنظيم ندوات وورش عمل بمناسبة إطلاق هذا التقرير المهم، وإعلان أجندة المملكة المقبلة بخصوص التنمية الحضرية، علماً أن التقرير يضع أجندة مستقبلية، لا بد من مناقشتها والنظر في كيفية مواءمتها مع مبادرات وبرامج رؤية 2030.

ستة فصول

التقرير مؤلف من ستة فصول، وهو يبدأ بوضع الأمور في نصابها، من فصله الأول الذي يناقش “اتجاهات التحضر الناشئة في المملكة العربية السعودية”، فيما خصص الفصلين الثاني والثالث لموضوع الاستدامة في نظام النقل في المناطق الحضرية البيئية، وتنمية المدن الخضراء، أما في الفصل الرابع، فيتفحص ديناميكيات الاقتصاد الحضري، ويتناول في الفصل الخامس “إدارة التحول الحضري في المملكة العربية السعودية: أهمية الحوكمة الحضرية”، لينتهي في الفصل السادس إلى وضع أجندة التنمية الحضرية الجديدة في المملكة العربية السعودية.

ويثير التقرير مواضيع، كان للمختصين سجالات كبيرة فيها ومناقشات خلال الـ 30 عاماً الماضية، ومنها تركز التنمية في المحور الغربي – الشرقي أي محور الدمام – الرياض – جدة، وكذلك التمدد العمراني، والهيمنة الحضرية لمدن مثل الرياض، وغيرها من المصطلحات والمفاهيم، ولكنه لم ينته إلى وضع سياسات تحقق التوازن في التنمية بين المناطق، والذي كان من أهم السياسات التنموية للمملكة، إلى جانب تنويع القاعدة الاقتصادية، طبعاً ليس تنويع مصادر الدخل، لأن الأولى تعني اقتصاد الدولة والثانية تعني الدخل المالي الحكومي؛ وما يعنينا هو التنمية الشاملة، التي أفرد لها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، فقرة كاملة في خطابه أمام مجلس الشورى السنة الماضية، نظراً لأهميتها الكبرى، حيث قال، حفظه الله: “.. وقد جاءت زيارتنا لعدد من مناطق المملكة خلال العام المنصرم استمراراً للقاءاتنا المستمرة مع أبنائنا وبناتنا المواطنين، ومتابعتنا لاحتياجاتهم وتدشين مشاريع تنموية فيها، وسيكون لها ـ بإذن الله ـ أبلغ الأثر في تعزيز مسيرة التنمية الاقتصادية الشاملة في مختلف مناطق المملكة وتحقيق مستهدفات رؤية 2030، ومن ذلك ما يجري عليه العمل حالياً في إطار برنامج جودة الحياة”.

 

استشراف المستقبل

لا شك أن التقرير، يتسم بالموضوعية والكثير من الإحصائيات والأرقام والتحليلات، التي لم يسبق عرضها بشكل شامل، ما يشير إلى وجود أدلة دامغة وموثوقة، للحالة الراهنة للمدن السعودية، خصوصاً أنه يتعمق في أحوال بعض المدن والمناطق، ويرسم صورة التنمية والتحديات المستقبلية ومنها التحدي الديموغرافي السكاني، ليس في ما يظهره لنا من عدد الشباب اليوم والحاجة للتوظيف والاسكان فقط، ولكن أيضاً في عدد كبار السن في المستقبل، وما أعددنا لذلك من سياسات وخطط ومبادرات، فالتقرير ليس مجرد عرض عن الماضي واليوم، ولكنه يستشرف المستقبل وما يجب النظر فيه، فهو كمن يرشدك إلى أن ترفع رأسك لترى المنحنى القادم، بدل أن تكون منشغلاً بتفادي التعثر في ما تحت قدميك، فضلاً عن الفرص التي يمكن أن تساهم في التنمية الوطنية المستدامة. علماً أن المدن السعودية تحتاج لأن تكون أكثر تنوعاً من الناحية الاقتصادية ومنتجة؛ ومن المهم أيضاً تعزيز الأطر المؤسسية والتشريعية كأساس لتنفيذ عمليات تخطيط حضرية مبتكرة ومتجددة، يمكن أن تستجيب للتحديات الحضرية الحالية والناشئة في المملكة.

ويبقى أنني سأحاول في الحلقات الخمس، تلخيص أهم القضايا التي يثيرها التقرير، مع ما يمكن من مقترحات عملية، خصوصاً انني أرى أن هناك حاجة ملحة إلى تنظيم حوار بين عدد من القطاعات العامة والخاصة والمجتمع المدني، لنتوصل إلى صياغات وتوجهات مناسبة تدعم تحقيق التنمية المستدامة المنشودة، التي توازن بين المناطق، كما في رؤية 2030، وأن تؤطر لأجندة تنمية حضرية وطنية للمملكة.

من يرغب في الاطلاع على مزيد من التفاصيل يمكنه الدخول إلى موقع برنامج مستقبل المدن السعودية تقريرحالة المدن السعودية 2019“.

___

في الحلقة المقبلة:

اتجاهات التحضر الناشئة في المملكة

اظهر المزيد
إغلاق