مقال

المعاملات المالية المعاصرة وتداخلها بين الفقه والقانون

ٱلْبَاحِث والمُحَاضِر / الْدُكتُور إِبْرَٱهِيم رُشْدِي اَلشُلقَامِيِ

الأصل في العقود والشروط الجواز إلا ما نهى عنه الشرع، فالإهمال وارتكاب الأخطاء في التكيف الشرعي للمعاملات المالية الإسلامية بسبب عدم وضوح صورتها أو إهمال بعض عناصرها يؤدي إلى تطبيق أحكام جانَبَها الصواب عن المقصود والمطلوب منها.
فتكيف الوديعة المصرفية على انها قرض، يكون المقترض ضامناً للقرض إذا تلف أو هلك ويستوي في ذلك تفريطه واهتمامه كما ان الخصائص الشرعية للقرض حال كونها قرضاً أن تكون بدون فائدة تُدفع مقابل انتفاع المقترض بالمال لضمان خلوها من الربا المحرم شرعاً، وتكيف الوديعة استناداً الى التسمية التجارية فقط مع عدم الاخذ بعين الاعتبار كونها أموال سائلة فلا يمكن عملياً للمودع أن يردها عيناً وذلك لأنه بطبيعة الحال سيستخدمها بعينها، كما أن تكيف الوديعة على أنها إجارة فلا نتجاهل النقود كون الانتفاع بها لا يكون إلا باستهلاكها وانفاقها وذلك يخرجها عن طبيعة الاجارة والتي يتم فيها تسليم العين المؤجرة وهنا التجارة تكون بالنقود وليس في النقود.
ونقول هنا أن المقصود من قيام فقه المعاملات على الجمع بين الثابت والمتغير في الصور المستحدثة في المالية الإسلامية المعاصرة يكون بوجود بعض الثوابت (كالتراضي في العقود والوفاء بها، وحرمة الغش والاحتكار وبيع الربا، وتحقيق العدل ومنع الظلم وحفظ المال)، فالأحكام التي تتعلق بالوسائل فلا مانع من تغيرها أيضاً بتغير الوسائل وتطورها (كاستعمال الذهب والفضة) لتقويم السلع والان تستعمل النقود الورقية والمعدنية، وأيضا المضاربة المطبقة في المصارف الإسلامية من المحدودية العددية والمالية الى تعدد الأطراف وتعدد رأس المال، والقرض المتستر بالأوراق التجارية فتظهر حقيقته على انه مقابل فائدة وفي مثل هذه الحالات إذا لم يعلن البنك على تعريفة خدماته وتقاضي مبلغاً مقطوعاً، هنا يجب على الجهة المستفتية أن تنظر في حقيقة المعاملة من خلال حجم المبلغ المقطوع ومدى ربطه بالزمن، وكيفية التصرف عند التأخير والمماطلة في السداد وغيرها من القرائن.
كما يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً كالتخارج في الحسابات الاستثمارية والصناديق وحسابات الأرباح بحيث إذا كانت حصة المتخارج عنها تمثل أعياناً مع النقود التابعة لها بأي بدل ولو بأجل، كما أن المشاركات يغتفر فيها ما لا يغتفر في المعاوضات في مجال توزيع أرباح حسابات الاستثمار العامة حيث انه لا يمكن التقيد بقاعدة عادلة مكتملة الأركان بنسبة 100% ولكن استحقاق حصة مناسبة مع المبلغ والزمن هو من اعدل الطرق المحاسبية المتاحة لإيصال مستحقات تلك الحسابات في عائد الاستثمار لأصحابها، كما يغتفر في الرهن ما لا يغتفر في البيع فرهن أسهم شركة تتعامل بالربا يختلف عن بيع وشراء تلك الأسهم، ولا نتجاهل عقود الأمانة “المرابحة، الوضيعة، التولية” على سبيل المثال حيث ليس لها نظير في القوانين البنكية، وأيضا العقود التي لا تقبل التعليق ولا الإضافة للمستقبل كشراء اسهم شركات وتحديد ثمنها مع تأجيل الثمن وتأجيل نقل الملكية إلى المشتري لموعد لاحق يتم تعيينه، فهذا بيع مضاف للمستقبل بتأخير نقل الملكية، والبيع عقد لا يقبل الإضافة للمستقبل.

اظهر المزيد
إغلاق