مقال

التحوط المالي

ٱلْبَاحِث والمُحَاضِر / الْدُكتُور إِبْرَٱهِيم رُشْدِي اَلشُلقَامِيِ

نتيجة للتحولات الاقتصادية التي شهدتها الأسواق المالية المختلفة في الأونة الأخيره أصبحت مخاطر الإستثمار بمثابة أكبر التحديات التي تواجهها مما دعت الحاجة الى استخدام أدوات مالية للتخفيف من حدة المخاطر التي تواجه المستثمرين مما أدى إلى استخدام الأدوات المالية المشتقة, حيث اتفق معظم الباحثين والمتخصصين في العلوم المالية على أن الخيارات كأدوات مالية من أفضل ما استطاع الفكر الاستثماري إنجازه, وذلك لما لها من دور هام في التحوط ضد المخاطر وتوفير السيولة اللازمة للقيام بالمشاريع المساهمة في تعزيز النمو الاقتصادي، وعليه فقد أصبح من الضروري أستخدام هذه الأدوات المالية في تلبية احتياجات المستثمرين للتحوط ضد المخاطر وتخفيف آثارها وتحسين مستوى السيولة وحين يكون الحديث عن الاستثمار؛ فإن المخاطر تتمثل في ترك ربح متوقع أو تآكل رأس المال.
يلجأ المستثمرون والتجار وغيرهم ممن يملكون أعمالهم الحرة لبعض الأساليب التي تضمن حقوقهم المالية وتحميهم من المخاطرة والظروف الطارئة وتعويض أي خسارة، وتلك الأساليب تسمى اقتصادياً بالتحوط، هو مصطلح يشير إلى الحيطة والحذر وفي علوم الاقتصاد يشير إلى الموقف الذي يتخذ فيه المستثمر قرارات معينة في محاولة للتعويض عن التعرض لتقلبات الأسعار في سوق آخر بهدف تقليل التعرض للمخاطر الغير مرغوب فيها، ولتحقيق هدف مجابهة المخاطر وتعويض أية خسائر هناك العديد من الضوابط المالية لتحقيقه، وتلك الضوابط تشمل وثائق التأمين والعقود الآجلة والمقايضة وغير ذلك من الخيارات، كما توسعت لتشمل العقود الآجلة للتحوط في قيم الطاقة، والمعادن الثمينة، والعملات الأجنبية، وتقلبات أسعار الفائدة؛ فالتحوط عائد إلى الحفظ والصيانة ودفع الضرر قبل وقوعه، وأقرب المصطلحات التي تحمل هذا المعنى هي الرعاية والوقاية وهو فعل ما يُتمكن به من إزالة الشك، والتحفظ والاحتراز من الوجوه والأخذ بالأوثق من جميع الجهات، هو شكل من الاشكال المتقدمة لإدارة المخاطر التي لا ينصح بها للمبتدئين حيث يمكن في الواقع ان تتحول إلى أداه أكثر خطورة إذا لم يتم تنفيذها بشكل صحيح ويتطلب أيضا فهم دقيق لكيفية تحريك الأدوات المالية المختلفة وكذلك العلاقات داخل الأسواق، فالخطر الذي يقصد به الاشراف على الهلاك، واحتمال وقوع الخسارة أو فوات الربح أو عدم تحققه دون مستوى العائد، فهو لا ينفك عن النشاط الاقتصادي، وقد وردت في الشريعة الإسلامية عقود التوثيقات مثل الرهن والكفالة وغيرهما لحماية طرفي العقد من مخاطر المعاوضة، والمخاطر اجمالاً غير مرغوب فيها لأن المال قد يعرض للهلاك، لذا نخلص بأنه يلزم تجنب للمخاطر أو إدارتها قدر الإمكان باختيار صيغ عقود التحوط مع المحافظة على عائد الاستثمار، وحماية ووقاية رأس مال المستثمر من الخسارة أو النقص بعقود تجنبه الوقوع في المخاطر أو تقليلها قدر الإمكان، لأنه ليس ضماناً بالمعنى الخاص ولا العام، وإنما يكون ببذل الوسع في تجنب المخاطر والوقاية منها، فيعرف بالحماية التي هي استخدام الوسائل المتاحة للوقاية من الخسارة أو النقصان أو التلف، وهي بهذا المعنى أعم من ضمان رأس المال، من حيث إن الضمان هو الالتزام من جهة معينه بتحمل ما يلحق برأس المال من خسارة أو تلف أو نقصان؛ أما الحماية فهي وقاية رأس المال فيشمل الضمان المباشر وغير المباشر وبهذا المعنى فهو مطلوب، ويدخل ضمن مقصد حفظ المال الذي هو أحد مقاصد الشريعة الإسلامية الضرورية التي جاءت الشريعة برعايتها وحفظها، وقد فطر الناس على حب المال، والسعي في كسبه، وحرص الشريعة الإسلامية على حماية أموال الناس ظاهر في احترام الملكية الفردية، والنهي عن أكل أموال الناس بالباطل، وأخذها بغير حق، ويتوقف ذلك على مدى التزام صيغ وآليات التحوط بشتى صورها بالضوابط الشرعية والوقاية والحماية واتخاذ اجراءات منظمة لإدارة المخاطر والحد منها من خلال نقلها إلى طرف آخر، دون حصر ذلك فيما هو شائع من العمليات في الأسواق المالية، التي يقوم أغلبها على المعاوضة على الالتزام، وتتضمن هذه الصيغ المشتقات والتي تشتمل على المستقبليات والخيارات ، وعمليات المبادلة المؤقتة، فهذه الصيغ سبق أن تقرر عدم مشروعيتها بمفهوم القرار الخاص بالأسواق المالية والتي هي من أدوات التحوط المالي التي يمكن استخدامها للتحوط من التقلبات قصيرة الأجل في أسعار الصرف الإسمية والمتمثله في “العقود الآجلة للعملة، مستقبليات العملة، خيارات العملة، مبادلات العملة” وبشيء من التوضيح نجد أن العقود الآجلة للعملة هي التي يتم التعامل بها في الأسواق الموازية أو الأسواق غير المنظمة ويتم تصميمها طبقاً لرغبة واحتياج العميل من حيث حجم العقد وموعد التنفيذ كما يمكن للأفراد أو الشركات القيام بعملية بيع وشراء العقود الآجلة للعملات الأجنبية كأسلوب أو طريقة للتحوط ضد مخاطر تقلب العملات، فهي عبارة عن اتفاقية لبيع أو شراء سلعة في المستقبل بتاريخ وسعر محددين مسبقاً، كما يوفر سوق مستقبليات العملة طريقة أخرى للتحوط ضد مخاطر تقلبات الأسعار فهو يعد التزام تعاقدي على استلام أو تسليم موجود ما بكمية و نوعية محددة بتاريخ معين وبسعر متفق عليه ويتم التعامل بهذه العقود في الأسواق المالية الرسمية المنظمة فهي معيارية من ناحية حجم العقد وتاريخ التسليم وتضمن أيضاً السيولة العالية للموجودات، لذا يمكن استخدام عقود مستقبليات العملة لأغراض التحوط من مخاطر التقلبات في أسعار الصرف الأجنبية حيث يعمل التحوط على تدنيها أو إزالتها حتى وإن كانت مدة التعرض لتلك المخاطر قصيرة جداً عن التحوط بعقود مستقبلية للصرف الأجنبي ويكون من خلال اتخاذ مركز محدد في سوق المستقبليات إذ يمكن التحوط من المخاطرة أو عدم التأكد الذي يتعرض له المركز النقدي للمتحوط في الموجود الأساسي.
أيضاً أصبحت عقود خيارات العملة ضرورية جداً للمتعاملين في الأسواق المالية وأسواق الصرف الأجنبي لأنها تناسب مختلف إحتياجاتهم فيما إذا كان المتعاملين مستثمرين أو متحوطين أو مضاربين فالخيار يعطي الحق لحامله في شراء أو بيع موجود معين أو أداة مالية بسعر متفق عليه يسمى سعر التنفيذ أو سعر الصفقة فالعقد يعطي الحق في البيع والشراء ولا يعد ملزماً للتنفيذ، فيعد بذلك ورقة مالية يمكن أن تباع وتشترى في الأسواق المالية للخيارات وإن قيمته تشتق من قيمة الورقة المالية أو الموجود الأساسي فهو أحد الأدوات المالية الذي يهدف إلى تسهيل التعامل بالأوراق المالية لأغراض عديدة تشمل الإستثمار والمضاربة والتحويط من تقلبات الأسعار ولأن قيمة الخيار تشتق أو تعتمد على قيمة الورقة المالية الأساسية لذا يطلق على الخيارات الإدعاءات الظرفية وبسبب نجاحها المتميز يطلق عليها أحياناً الإبتكارات المالية وهي تمثل أحد أنواع عقود الخيارات، تعــد مبادلات العملة طريقة أخرى لتخفيض المخاطر المــالية وهــي التزامات لتبادل مدفوعات نقدية وفقــا لتفضـــيلات كــل شريك حول شكل أو نمـط المدفوعات التــي ستتـم مبادلتهـا فهي عقود غير نمطية تعد حسب رغبة الزبون من حيث حجم المبادلة والمبلغ الافتراضي ومدة المبادلة، حيث يمثل عقد المبادلة اتفاقية لتبادل تدفقات نقدية خلال فترة العقد، وهناك أنواع من عقود المبادلات أهمها مبادلة أسعار الفائدة ومبادلة العملات، إذ يمكن مبادلة تدفقات نقدية بأسعار فائدة عائمة على قرض مقابل تدفقات نقدية بأسعار فائدة ثابتة وتحسب التدفقات على أساس المبلغ الاسمي الذي لا يكون خاضعا للتبادل.
أثر استخدام أدوات التحوط المالي في تخفيض مخاطر أسعار الصرف في حد ذاتها معضلة فكرية شكلت محور اهتمام الباحثين في مجال المالية الدولية لذا يسعى أغلب المدارء الماليين لإيجاد السبل والأدوات التي تكفل التعامل مع هذه المخاطر وتساعدها على التكيف وفقا للظروف المعقدة وعدم التأكد العالي في التقلبات السعرية التي تمثل السمة الغالبة لأغلب الأسواق المالية خلال العقود الأخيرة.
من أنواع التحوط التحوط مع ارتباط؛ وهو يستند على حقيقة أن بعض الأصول تميل الى ان تكون مترابطة سلبا أو إيجابا، أي تسير في نفس الاتجاه أو في الاتجاه المعاكس، وخير مثال على ذلك هو أسواق الأسهم والذهب، تعتبر أسواق الأسهم محفوفة بالمخاطر، يعتبر الذهب وهو أحد الأصول ملاذا آمنا، عندما تزيد الرغبة في المخاطرة في السوق، تميل الأسهم إلى التفوق على الملاذ الآمن (الذهب)، بينما في أوقات عدم اليقين في السوق، يفضل المستثمرين الحد من تعرضهم للأصول الخطرة والمضاربة على الذهب.
التحوط مع المشتقات التابعة له؛ المشتقات مثل الخيارات الثنائية وتستخدم عادة للتحوط من موقف واحد في الأسواق، يستخدم على نطاق واسع في أسواق الأسهم مع تداول الخيارات، يرجع ذلك إلى الخطر الثابت الذي يقدمه، يمكن للتجار الاستفادة من هذه المعلومات ليكونوا قادرين على تعويض أفضل للمخاطر المحيطة بتداولهم.
وهناك أيضاً التحوط باعتبار محله ويكون من المخاطر، وأنواع المخاطر كثيرة فإنه يمكن إرجاعها إلى :-
– المخاطر في مجال الاستثمار، وتشمل المخاطر على رأس المال، والعائد، ومخاطر السوق، والسيولة، وتذبذب العملات.
– المخاطر الائتمانية، والمقصود بها المخاطر من تعثر السداد بسبب إفلاس العميل أو مماطلته.
التحوط باعتبار طريقته؛ وهو بهذا الاعتبار أنواع:-
– التحوط الاقتصادي: ويقصد به أساليب التحوط التي لا تتطلب الدخول في تعاقدات مع أطراف أخرى لغرض التحوط، مثل تنويع الأصول الاستثمارية.
– التحوط التعاوني: وهو قائم على علاقة تبادلية لا تهدف للربح، مثل الصناديق التعاونية لغرض التحوط.
– التحوط التعاقدي: والمقصود به أدوات التحوط القائمة على عقود المعاوضة والمشاركة، مثل البيع الآجل، والسلم، والمضاربة.
التحوط باعتبار شموله وتغطيته؛ وينقسم التحوط من حيث شموله إلى تحوط تام، وتحوط ناقص، ويقصد بالتحوط التام: الذي يتخلص به من المخاطر كلياً، والناقص: الذي يتخلص به من المخاطر جزئياً.
وينقسم التحوط من حيث المخاطر التي يغطيها إلى: تحوط كلي وتحوط جزئي، فالتحوط الكلي يعني تحوط المنشأة لكافة المخاطر التي تتعرض لها، والتحوط الجزئي: يكون عندما تختار المنشأة التحوط لبعض أنشطتها وأصولها.
كما أن هناك صناديق التحوط وهي عبارة عن شراكات استثمارية خاصة معفاة من القيود واللوائح التي تفرضها الهيئات التنظيمية على الكيانات الاستثمارية الأخرى، بسبب حجمها المحدود، وهيكل المستثمرين بها، فهي على عكس صناديق الاستثمار المشتركة والمقيدة عادة بالاستثمار في قطاعات مالية محددة مثل الأسهم والسندات، فتمتلك صناديق التحوط بذلك حرية الاستثمار في أي أداة مالية موجودة في السوق، كما أنها غير مطالبة بالإفصاح عن تفاصيل أصولها أو التزاماتها إلى المستثمرين أو الجهات الرقابية، في حين أنه يتعين على صناديق الاستثمار المشتركة إصدار تقارير مالية منتظمة، فهي تختلف بشكل كبير سواء من حيث الحجم أو أسلوب الاستثمار، ففي حين أن بعضها ينتهج إستراتيجيات استثمارية محافظة، تميل أخرى إلى اتباع أساليب ذات مخاطر أعلى في سعيها نحو تحقيق أرباح أعلى من السوق، وعادة ما تبني صناديق التحوط سمعتها على إستراتيجية استثمارية محددة، فالمستثمر بحاجة إلى قدر عميق ومتطور من المعرفة والخبرة لكي يكون قادراً على فهم إستراتيجيات ومخاطر صناديق التحوط، كما أن هناك بعض القيود الأخرى تختص بها صناديق التحوط، حيث إن بعضاً من تلك الصناديق تمنع المستثمر من سحب أمواله لمدة عام أو أكثر خلال هذه الفترة، ايضاً مما يؤخذ عليها افتقارها للشفافية، كما أن عدم أو ندرة وجودها تعني أن هناك احتمالاً كبيراً ليتعرض العملاء للاحتيال، خاصة وأنها لا تخضع لأي جهة تنظيمية.
الموقف الشرعي الإسلامي للمشتقات المالية فإن علماء الدين الإسلامي والفقهاء الشرعيين, يملكون وجهة نظر مغايرة تماماً نسبة للمخاطر الفادحة التي تنجم عن طريق التعامل بهذه المشتقات في حال وأن تم التعامل بها من منظور غير إسلامي لأسباب نذكر منها
– إن العقود الآجلة التي تجري في غالبها لا تعتبر بيعاً حقيقياً ولا شراءً حقيقياً لأنه لا يجري التقابض بين طرفي العقد.
– ان البائع يبيع غالباً ما لا يملك من عملات أو أسهم, قروض أو بضائع على أمل شرائه من السوق أو تسليمه في الموعد دون قبض الثمن عند التعاقد.
– تكرار البيع والشراء على الشيء ذاته قبل قبضه إلى أن تنتهي الصفقة إلى المشتري الأخير الذي قد يريد أن يتسلم المبيع من البائع الأول والذي يكون قد باع ما لا يملك أو أن يحاسبه على فرق السعر في موعد التنفيذ.
الخيارات وبدائلها الشرعية (خيار الشرط – العربون) قد تقوم الخيارات على الإعتياض عن إعطاء حق الشراء أو حق البيع وهي حقوق غير مالية, ولا تجيز الشريعة أن تكون محلاً للمبادلة الرضائية الحقيقية ولو اتجهت إليها إرادة بائع الخيار ومشتريه, فهذا الرضا لا قيمة له لأنه يفقد معنى المتاجرة, والآية الكريمة أخرجت من أكل المال بالباطل قال تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) (سورة النساء آية 29)، كما تشير إلى أن إستعمال المشتقات تحت تقنين إسلامي وفق ضوابط وقواعد شرعية, يمكننا من الإفادة من المزايا المتنوعة لهذه الأدوات وبالتالي تحقيق الاستقرار، ويمكن لها أيضاً أن تحسن السيولة وبالتالي المركز المالي للمستثمرين وبتكاليف منخفضة، فلقد أدت التفسيرات المختلفة للعقود والأدوات المالية المباحة شرعاً الى إختلاف الرأي الفقهي حول المشتقات المالية, وهذا ما جعل العديد من المتعاملين في أسواق المال وصناع القرار يجهلون العديد من المشتقات ومعاملاتها مما يحول دون التوصل إلى فهم موضوعي لمزاياها وعيوبها، حتى وإن كانت هذه الضوابط بمثابة وقاية للبنوك الإسلامية من الأزمة المالية, فهناك القليل من الأدوات تدعم البنوك الإسلامية في محيط تغيرات وتقلبات وتحركات رؤوس الأموال, حيث تعتبر هذه الأدوات بمثابة البدائل الشرعية للمشتقات المالية المتبعة من قبل المؤسسات والبنوك الإسلامية.
– خيار الشرط, أو ما يسمى في القوانين (الشرط الفاسخ) وذلك بأن يدخل الشخص في العقد اللازم (البيع أو الإجارة أو الإستصناع) ويشترط لنفسه حق الفسخ بإرادته المنفردة خلال مدة معلومة وهذا يحقق مطلب التروي والتحوط في الحصول على سلعة يؤمل الربح منها, وقد ذكر الفقهاء على أن لمن له خيار الشرط أن يعرض السلعة التي هي محل الخيار على طرف آخر, وان مجرد العرض لا يسقط خياره إلا إذا اقترن بالبيع للسلعة فحينئذ لتصحيح البيع يسقط الخيار.
– البيع مع العربون, وهو لا يخلو عن خيار للمشتري فيعطيه حق الفسخ, ولكنه يخسر غالباً المبلغ المعجل (العربون) للتعويض على البائع الذي حبس سلعته من بيعها إلى الآخرين غير المشتري مع حق العربون، والعربون يختلف عن هامش الجدية, فهذا الأخير يقع قبل العقد وهو أمانة لدى الحاصل عليه, ولا يستحق منه إلا مقدار الضرر, أما العربون فلا يكون إلا ضمن عقد, وهو جزء من ثمن السلعة وليس مقابل حق الفسخ, فإذا تنازل المشتري عن الحق اعتبر جزءاً فعليا من الثمن المطلوب تكملته, وإذا استخدم حقه في الفسخ خسر ذلك العربون واعتاض به البائع الذي عادت إليه السلعة, للبحث عن مشترٍ آخر، ومن شرط العربون تحديد المدة واحتفاظ البائع بمحل العقد الذي فيه عربون, فليس له التصرف فيه, كما أن حق العربون ليس قابلاً للتداول.
– الإستصناع، ويحل مشكلة وجود المعقود عليه وجهالة العمل, فيمكن أن ترتب عقود وصكوك وشهادات خاصة بالإستصناع في المستقبل.
– عقد السلم وبيع الأجل بالتقسيط، يحلان مشكلة عدم وجود المسلم فيه في العقد الأول, وتأجيله المشروط وعدم وجود الثمن وتأجيله في العقد الثاني.
وهكذا، وبقدر من التكلف تم تخريج عقود الخيارات على بيع العربون أو على خيار الشرط، كما تم تخريج المستقبليات على عقود السلم وعقود الاستصناع
لماذا يستخدم التحوط؟ تكون طرق التحوط ايجابية عند تطبيقها بشكل صحيح، حيث تكون عونا كبيرا ولكن بالطبع تأتي مع الكثير من الممارسة، في حين يستخدم التحوط في المقام الأول للحد من المخاطر، ولقد بني النظام المالي المعاصر على عدم الارتباط بين مغانم الاستثمار ومغارمه، ومن ما يؤخذ عليها هو سماحها بنقل هذه المخاطرة إلى الغير عبر أصناف المشتقات، متجاهلين أن المخاطر محكومة بقانون، فهي تلد مع الاستثمار ولا تفنى إلا بفنائه، فيجب على الهندسة المالية التي تعني بابتكار الحلول المالية وتنميطها في منتجات تحقق الأغراض المالية مع السلامة الشرعية أن تعمل على توسيع قاعدة المخاطرة بإشتراك الممول مع المستثمر في المغانم والمغارم، وإرساء المخاطرة وعدم ترحيلها إلى الغير، وهو ما يستفاد من استقراء أحكام المعاملات، مع عدم إستهداف المخاطر أو الخسائر، ناهيك عن تسفيه الشعور الفطري للتحوط فهذا ما لا يقول به عاقل؛ وإنما المقصود تحوطاً مشروعاً، فإن نظرية العقد الإسلامية تشترط أن يكون ما يتراضى عليه العاقدون في دائرة الإباحة التي حددتها الأحكام الثابتة، فالتحوط هدف من أهداف الهندسة المالية التقليدية المعاصرة، قد طغى على أهدافها الأخرى حتى أصبحت وكأنها معنية فقط بالبحث عن حلول افتراضية للتحوط كان أبرزها المشتقات المالية، ولأن هذه الوسائل والأدوات أعني المشتقات المالية فيها من المحاذير الشرعية ما فيها، فقد كان لا بد من تأهيلها فقهياً حتى نستطيع أن نبرهن سبق الإسلام وصلاحه لكل زمان ومكان!!
وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 63 (1/7) بتحريم عقود الاختيارات وتداولها، كما صدر المعيار الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية رقم (6): أنه لا يجوز شرعاً التعامل بعقود المستقبليات والاختيارات وعمليات المبادلات المؤقتة إنشاء وتداولاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله: «الخطر خطران: خطر التجارة، وهو أن يشتري السلعة يقصد أن يبيعها بربح ويتوكل على الله في ذلك، فهذا لا بد منه للتجار، والتاجر يتوكل على الله، يطلب منه أن يأتي من يشتري السلعة وأن يبيعها بربح، وإن كان قد يخسر أحياناً، فالتجارة لا تكون إلا كذلك، والخطر الثاني: الميسر الذي يتضمن أكل مال الناس بالباطل، فهذا الذي حرمه الله ورسوله»
لذا نوصي القائمين والعاملين في المؤسسات المالية الإسلامية على الاستفادة من الصيغ والعقود التي أقرها مجمع الفقه الإسلامي الدولي، والمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، في صياغة عقود التحوط والمعاملات، مثل: السلم، والسلم الموازي، والمرابحة للآمر بالشراء، والإستصناع، والإستصناع الموازي، وخيار الشرط، والعربون، وذلك بالضوابط الشرعية الواردة في تلك القرارات.

اظهر المزيد
إغلاق