كورونا والاقتصادمقال

عقود فيديك وأزمة كورونا

ٱلْبَاحِث والمُحَاضِر / الْدُكتُور إِبْرَٱهِيم رُشْدِي اَلشُلقَامِيِ

الحاقاً لمقالنا السابق بعنوان الالتزامات التعاقدية وتأثرها بتفشي فيروس كورونا المستجد COVID-19 والذي تضمن نموذج من عقود المقاولات وأشرنا فيه الى أن عقود المقاولات والتوريدات حيث تتضمن (في الغالب) نصوصاً تؤكد التزام المتعاقد بإكمال العمل أو بتوريد المنتجات في وقت محدد، وتفرض عليه غرامة تأخير في حال عدم الالتزام بذلك، فهل التأخر بسبب الظروف التي نشأت بسبب هذا الوباء تعطي الطرف المتعاقد الحق في الإعفاء من هذه الغرامات؟
وقلنا إن المبدأ والأصل العام أن الشرط الجزائي معتبر إذا كان في حدود المعقول عرفاً كما نقول إنه تم تفسير ذلك في السابق قضائياً بإسقاط غرامة التأخير المفروضة على المقاول وذلك لكون تأخره هذا كان لنشوء هذا الوباء محل الانتشار والتفشي، كما يعفى المتعاقد أيضا من المسؤولية في التأخير عن الوقت المحدد سالفاً في العقد وذلك في حدود مدة التضرر من ذلك الوباء سالف الذكر.
فاذا تكبد المقاول تكلفة زائدة بسبب انتشار فيروس كورونا COVID-19 فله الأحقية بالمطالبة بالتعويض، وتقدير هذه التكلفة يكون على عاتق المهندس المختص باتفاق الطرفين وأن يُعِد تقدير تلك التكلفة بصورة جيدة بما يتماشى مع احكام ذلك العقد على ان يأخذ في الاعتبار جميع الظروف المحيطة به وعلى أن يكون للطرفين حق الاعتراض (فقد تنشأ التكلفة الزائدة إما بسبب أضرار تفشي ذلك الفيروس أو قد تنشأ من تعديل على العقد طبقاً للأحكام والظروف الاستثنائية أيضا بسبب فيروس كورونا COVID-19).
فنموذج عقد فيديك الكتاب الأحمر 1999 اشترط توفر أربعة شروط مجتمعة في أي ظروف استثنائية “القوة القاهرة” وهي على قسمين، منها ما هو بفعل بشري ( الحرب أو الاعمال العدوانية أو الغزو أو أفعال الأعداء الأجانب، التمرد أو أعمال الإرهاب أو الثورة أو العصيان، أو الاستيلاء على الحكم بقوة، أو الحرب الاهلية، الاضطرابات أو المشاغبات أو الاخلال بالنظام) ففي مثل هذه الحالات يصبح المقاول مُستحقاً لاسترداد أي تكلفة زائدة، ومنها ما هو بفعل الطبيعة “الكوارث الطبيعية” التي لا دخل للإنسان فيها (الزلازل أو الأعاصير أو البراكين) على سبيل المثال، ففي مثل هذه الحالات لم ينص الفيديك على استحقاق المقاول للمطالبة بالتعويض عن التكلفة التي تكبدها.
لم ينص الفيديك على الوباء صراحةً في القوة القاهرة لا التي بفعل بشري ولا في الكوارث الطبيعية على الرغم من عدم تلاشيه للوباء صراحةً في استحقاق التمديد الزمني.
وبما أن فيروس كورونا COVID-19 مختلط بين الكارثة الطبيعية بكونه فيروس وبين الفعل البشري كونه ناقل لهذا الفيروس وعامل مساعد في هذا التفشي سواء بالعمد أو بالخطأ، ومع العلم بأن فيديك لم يعتبر الكوارث الطبيعية حائلة بين أحقية المقاول من المطالبة بالتعويض حال ترتب عليها ضرر، فمن الأهمية بمكان توضيح أن عقود الفيديك أعطت الأحقية للمقاول للمطالبة بأي تكلفة تكبدها اتجاه الكوارث الطبيعية كالمتمثلة في تلف البضائع أو تأخير الأعمال أو تلف المستندات الخاصة بعقد المقاولة وترتب على ذلك تأخر المقاول في التنفيذ.
ومع غموض نص عقد فيديك في تحديد وتفشي الفيروس في حالة التدخل البشري أو الكوارث الطبيعية إلا أن من مزايا ذلك أنه ترك الحكم فيها لكل واقعة بمفردها، فإن انتشار ذلك الفيروس لا يمنع من المطالبة بأي تكلفة أو تلف أو مستحقات تحققت بسببه.
فهناك فرق بين اعتبار فيروس كورونا COVID-19 قوة قاهرة أو ظروفاً استثنائية، فالقوة القاهرة يستحيل معها تنفيذ الأعمال والالتزام استحالة مطلقة، أما الظروف الاستثنائية فيكون فيها إرهاقاً في تنفيذ الالتزام وليس استحالة التنفيذ، فالقانون لا يعتد بما يطلق في العقود من تسميات غير صحيحة لا سيما إن كانت في غير محلها، سواء ورد في نموذج فيديك (القوة القاهرة، الظروف الاستثنائية).
وكون عقود فيديك طويلة الأجل فبذلك يكون فيروس كورونا COVID-19 إرهاقاً للمقاول ويلحق به خسارة فادحة إذا التزم بأحكام العقد، ومن ثم يكون ذلك سبباً يعطي الحق للمتضرر في أن يرد الالتزام المُرِهق إلى الحد المعقولُ عرفاً، إما بوقف الالتزام المُرِهق أو التقليل منه أو الالتزام به بمقابل، إذا كان ضرورياً على أن يقدر ذلك بالتوافق مع مصلحة الطرفين.
ذلك كله يستند على الاتي: –
المادة رقم 147-2 من القانون المصري التي نصت على أنه إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها، وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي إن لم يصبح مستحيلاً صار مُرهِقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يَرُد الالتزام المُرِهق إلى الحد المعقول ويقع باطلاً كلُ اتفاقٍ خلاف ذلك.
المادة 658 من القانون المصري التي تنص على أنه 1- إذا أُبرم العقد بأجر اجمالي على أساس تصميمٍ اتُفق عليه مع رب العمل فليس للمقاول أن يُطالب بأية زيادة في الاجر،،،،،،،، إلى آخره 4- على أنه إذا انهار التوازن الاقتصادي بين التزامات كلاً من رب العمل والمقاول بسبب حوادث استثنائية عامة لم تكن في الحسبان وقت التعاقد، وتداعى بذلك الأساس الذي قام عليه التقدير المالي لعقد المقاولة، جاز للقاضي أن يحكم بزيادة الاجر أو بفسخ العقد.
المادة 205 من القانون المدني الأُردني التي نصت على أنه إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلاً صار مُرهِقاً للمدين بحيث يهدد خسارة فادحة، جاز للمحكمة تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن ترد الالتزام المُرِهق إلى الحد المعقول إن اقتضت العدالة ذلك ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك.
المادة 249 معاملات مدنية من القانون الإماراتي التي تنص على أنه إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلاً صار مُرهِقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المُرِهق إلى الحد المعقول إن اقتضت العدالة ذلك، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك.
وبناء على ما ذُكر يتبين أن فيروس كورونا COVID-19 حادث استثنائي لم يُتوقع، وبناء عليه يصبح من حق المقاول المطالبة بالتعويض عن التكلفة الزائدة أو تعديل شروط التعاقد وفقاً لنظرية الظروف الاستثنائية حتى يرد الالتزام المُرِهق الى الحد المعقول.
ونخلص إلى انه إذا مُنع المقاول من أداء أياً من التزاماته وتكبد تكلفة زائدة نتيجة فيروس كورونا COVID-19 وصار تنفيذ الالتزام التعاقدي بالشروط المتفق عليها وقت التعاقد مرهقاً للمقاول وإن لم يكن مستحيلاً، يكون من حق المقاول المطالبة بالتعويض عن التكلفة الزائدة حتى يرد الالتزام المُرِهق، ويقع باطلاً كلُ اتفاقٍ خلاف ذلك، حتى إذا أُقر أن فيروس كورونا COVID-19 من الكوارث الطبيعية.
الآراء المعبر عنها في هذا المقال هي آراء الكاتب كفرد ولا تعكس بالضرورة آراء قانون دولة بعينها.

اظهر المزيد
إغلاق