رئيسيكورونا والاقتصادمقال

الالتزامات التعاقدية وتأثرها بتفشي فيروس كورونا المستجد COVID-19

 

الْدُكتُور إِبْرَٱهِيم رُشْدِي اَلشُلقَامِيِ :

يمر العالم كله بأزمة عامة، تمثلت في تفشي “وباء” فيروس كورونا المستجد (COVID-19) طارئة صحية تتمثل في ظهور حالات من مرض أُنتشر بين مجموعة من البشر في منطقة جغرافية محددة خلال فترة زمنية محددة بزيادة واضحة عن المتوقع الطبيعي مقارنة بفترة مماثلة للفترة السابقة في ذات البقعة والزمن لذات المنطقة ويسبب قلقاً على المستوى الوطني، ونظراً لسرعة انتشار ذلك الوباء وما له من تأثير على الاقتصاد المحلي والعالمي، حيث إنه يحول بين “استمرار العمل” قدرة المنشئات على مواصلة أنشطتها الحيوية على مستوى محدد مسبقاً في حال التعرض للتعطل، واستقرار المجتمع، لذا فقد اتخذت أغلب الدول في العالم عدداً من الاحتياطات والاحترازات لمواجهة ذلك الفيروس المستجد.
وقد يكون لتلك القرارات الاحترازية بعض الانعكاسات والآثار القانونية على بعض العقود والالتزامات الناشئة، ولحين إصدار نصوص نظامية، أو عقدية يُتجه إلى الأخذ بقواعد الشريعة الإسلامية، والنصوص الفقهية.
ومن المتقرر في الأصول الشرعية العامة أن عقود المعاوضات ملزمة لأطرافها، استدلالاً بقول الله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ”(سورة المائدة آية رقم “1”) وبالتالي فانه لا يجوز لأي من أطراف العقد التنصل عن أي من التزاماته العقدية إلا برضا الطرف الآخر، أو لسبب وعذر شرعي، ومن الأسباب الشرعية المؤثرة على الالتزامات التعاقدية وقوع “الجوائح” (عند جماهير الفقهاء) الآفات السماوية التي لا يمكن معها تضمين أحد، مثل الريح الشديدة والمطر الشديد والجليد والصواعق ونحو ذلك على سبيل المثال.

ونلاحظ مما تقدم أن الجائحة تكون بسبب خارجي لا دخل لأطراف العقد فيه وأنها عامة غير خاصة وأيضا لا يمكن تفاديها، أو الاحتراز منها.

فالأصل الشرعي العام لمبدأ وضع الجوائح في الشريعة الإسلامية، هو ما جاء في الحديث الشريف فتح الباري في شرح صحيح البخاري باب “إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها ثم أصابته عاهة فهو من البائع” حديث رقم 2087 “حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن حميد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي، فقيل له وما تزهي؟ قال حتى تحمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه” كما نلاحظ من الحديث السابق أنه ينص على العقود المتعلقة ببيع الثمار، ولكن اتجه عدد من الفقهاء إلى عدم قصر مبدأ وضع الجوائح على بيع الثمار فقط، وإنما رأوا أنه يمتد ليشمل جميع العقود التي من طبيعتها الاستمرارية.
ونظراً لأن مدى تأثير هذه الجائحة غير معلوم، فقد ينتهي في مدة يسيرة وقد يطول ولأن تأثير هذه الجائحة على العقود متفاوت فهناك عقود ستتضرر بشدة وهناك عقود أقل ضرراً وهناك عقود على العكس تماماً من ذلك، إذ قد يكون في هذه الجائحة فوائد ومكاسب جمة.

فعلى سبيل المثال هناك العديد من العقود بين الجهات المصرفية والتمويلية وبين المستفيدين والتي يكون سدادها على دفعات محددة سلفاً، ولكن بعد تفشي هذا الوباء وصدور العديد من القرارات التي ألحقت الضرر على بعض الأنشطة التجارية فهل يحق لهم وفقاً لذلك تأجيل أو جدولة سداد بعض الدفعات؟

وَرَداً على ذلك أنه يمكن للمتضرر أن يطلب من الجهة مانحة التمويل تأجيل سداد المديونية وفي حال رأت الجهة المختصة أن هذا الوباء وما نتج عنه من أثار سلبية هو من الأسباب التي تجعلها تقر بتأجيل السداد، فإنها قد تتجه للحكم بذلك.

وأيضا من المتقرر أن عقد الإجارة من العقود الملزمة، ولكن في حال حصول مثل هذا الوباء، فهل يحق للمستأجر أن يتجه إلى خفض مبلغ الأجرة؟ أو فسخ العقد بالكلية؟

وَرَداً على ذلك أيضا أن بن قدامه وشيخ الإسلام بن تيمية وابن عثيمين “على انه يحق فسخ عقد الأجرة” كما ان المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) نصت على أنه يؤخذ بمبدأ وضع الجوائح في عقود الاجارة.
وبالتالي يمكن اعتبار هذا الوباء من الجوائح التي تراعى في عقد الإجارة وبما يحقق لأطراف العقد التوافق، فقد يكون ذلك إما بفسخ عقد الإجارة، أو بإنقاص الآجر طيلة وقت امتداد الوباء.

ومن الأهمية بمكان عقود المقاولات والتوريدات حيث تتضمن (في الغالب) نصوصاً تؤكد التزام المتعاقد بإكمال العمل أو بتوريد المنتجات في وقت محدد، وتفرض عليه غرامة تأخير في حال عدم الالتزام بذلك، فهل التأخر بسبب الظروف التي نشأت بسبب هذا الوباء تعطي الطرف المتعاقد الحق في الإعفاء من هذه الغرامات؟

نقول المبدأ والأصل العام أن الشرط الجزائي معتبر إذا كان في حدود المعقول عرفاً، كما نقول إنه تم تفسير ذلك في السابق قضائياً بإسقاط غرامة التأخير المفروضة على المقاول وذلك لكون تأخره هذا كان لنشوء هذا الوباء محل الانتشار والتفشي، كما يعفى المتعاقد أيضا من المسؤولية في التأخير عن الوقت المحدد سالفاً في العقد وذلك في حدود مدة التضرر من ذلك الوباء سالف الذكر.

لذا ومن الأهمية بمكان وجوب اتخاذ بعض الإجراءات الاحترازية والوقائية التي تهدف إلى استمرارية الأعمال في الشركات والمؤسسات وذلك من خلال تحديد “الأطراف المعنية” الافراد العاملين داخل المنشآت في كافة المستويات، والمعتمد عليها في استمرارية الأعمال وإنجازها وتحديد الوظائف الحيوية، لاستمرار النشاط القائم، أو استحداث نظام جديد وتوظيف التكنولوجيا، مثل التحول الإلكتروني واستخدام الذكاء الاصطناعي وتقديم الدعم اللوجستي المطلوب واللازم، في جميع الأحوال، بما يخدم استمرارية الأعمال لمواصلة تقديم مختلف الخدمات “للمتعاملين مع المنشآت ” الافراد المراجعين والعملاء من خارج المنشآت من الأطراف المعنية.

وفي حال توقف الأعمال المؤسسية، أو تعطل قسم منها لسبب من أسباب تفشي ذلك الوباء ، لابد من جاهزية المنشآت، لتبني مرحلة التخطيط والتنظيم والهيكلة الجديدة لضمان استمرارية الأعمال على خطوات رئيسية تعتمد علي فعالية وقدرة المنشآت على مواصلة الأنشطة الحيوية وخاصة المرتبطة بعقود واتفاقيات قائمة بالفعل، والالتزام بالانتهاء منها في الوقت المحدد وذلك من خلال “القيادة” بالقيام بتوجيه ودعم المواد اللازمة لتوفير حماية بيانات المنشآت ابتداءً، ومن ثم توفير الاحتياجات والمتطلبات لتطبيق “خطة استمرارية الأعمال” وهي مجموعة من الإجراءات المدونة التي يتم تطويرها وتجميعها وحفظها لتمكين المنشآت من مواصلة أنشطتها الحيوية، على مستوى مقبول محدد مسبقاً، في حال توقف الأعمال، أو تعطلها، من باب تقليل المخاطر التي تؤثر على المؤسسة، “مرونة الإجراءات” بإعطاء الصلاحية والمسؤولية لرؤساء الأقسام وتفويضهم لمتابعة الإجراءات الهامة والحيوية، عن بُعد بالتنسيق مع الموظفين القائمين بالأعمال الموكلة اليهم، “الجاهزية بالإمدادات” من خلال تنسيق كافة الأنشطة مع جميع الأقسام المرتبطة مع بعضها البعض وكيفية توزيع الوظائف باستخدام استراتيجية العمل عن بُعد والتأكد من قيام كل من العاملين بالوظائف الموكلة اليهم ولا بد من إجراء فوري لتوظيف وتعويض النقص في الكادر البشري إذا تطلب الأمر، وتفعيل “المراقبة والتقييم المستمر عن بُعد” لضمان توفير جميع الموارد المطلوبة عند الحاجة إليها حسب العقود والاتفاقيات المبرمة.

ونشير ايضاً إلى أن هناك أهدافاً رئيسة لبرامج تحفيز حكومية تتمثل في استجابة الحكومات للأزمة الاقتصادية للتخفيف من الآثار الاقتصادية والمالية على الأفراد والشركات والقطاع المالي، من أجل تجنب الآثار الاجتماعية والاقتصادية السلبية طويلة المدى، أيضا تفادي الزيادة في نسبة البطالة ومساعدة الشركات على تجاوز الأزمة وعدم الانهيار المالي، بسبب أزمة السيولة وصدمات الأرباح والخسائر المالية.

 حزم من المساعدة الاقتصادية التي نفذتها الحكومات في جميع أنحاء العالم على سبيل المثال.

 

المصدر: مصادر حكومية رسمية وتغطية صحفية للإعلانات الرسمية. IHS لبيانات الناتج المحلي الإجمالي

1- يشمل ذلك الإجراءات المالية والنقدية (عبر مؤسسة النقد العربي السعودي).

2- يشمل ذلك تدابير التحفيز المالي والنقدي. على سبيل المثال سيتم استخدام ما يصل إلى 108 ملايين دولار أمريكي، من الحزمة لضمان السيولة للشركات الإسبانية.

3- يشمل رقم الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة زيادة الحيازات عن طريق شراء سندات الحكومة وسندات الشركات من قبل بنك انجلترا (تصل إلى 228 مليار دولار).

 

تم الإعلان عن حجم تدابير التحفيز، مع تزايد أعداد حالات COVID-19

 

ومن المهم أيضا إلقاء الضوء على بعض من كفاءة نظام العمل عن بُعد، في فترات التباعد الاجتماعي الإلزامية والالمام باستخدام وسائل التواصل الإلكترونية وعقد الاجتماعات عن بُعد وقياس مستوى إنجاز المهام دون تكلف أي أعباء إضافية وضرورة الحصول على تقارير يومية لكافة مستويات إنتاجية الأعمال.

فالقلق آخذ في الارتفاع عالمياً، ويحاول الجميع التكيف مع أنفسهم للحفاظ على سلامتهم قدر المستطاع في البيئة الحالية، بينما يأملون أيضا أن تسير الأمور على ما كانت عليه سابقاً مع حلول فصل الصيف القادم.

اظهر المزيد
إغلاق