مقال

التخطيط‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬والخيال‭ ‬والمعرفة‭ ‬والإبداع

البروفيسور : محمد حسين ابو صالح:

من أجمل تعريفات التخطيط الاستراتيجي هو : قدرة الدولة على تشكيل وصناعة المستقبل وفق الإرادة .. فما هي العلاقة بين التخطيط الاستراتيجي والإرادة الوطنية وكذلك ما هي علاقة التخطيط الاستراتيجي بالخيال والمعرفة والإبداع؟.

إن أبسط معنى للتشكيل هو النماذج المادية مثل صناعة المبنى حيث يتم عمل الهيكل الخرساني والبناء بالطوب وتركيب النوافذ والأبواب وأجهزة التكييف، هذه هندسة مادية، لكن الملاحظ هنا أن التشكيل لم يتم إلا بعد أن اكتملت الخرطة الهندسية وبناء عليها تم التشكيل، ومن ثم وضع مواد البناء بالشكل المطلوب واستخدام الألوان، إلى أن يكتمل المبنى بالصورة والشكل المطلوب، لكن أكثر عمليات التشكيل صعوبةً هي الهندسة الإنسانية، النفسية والوجدانية، الثقافية، المعرفية ، هندسة مهارات التفكير، الهندسة الاجتماعية.

وإذا نظرنا بعمق للهندسة الإنسانية نجدها الأساس للنجاح الاستراتيجي، فعلى سبيل المثال سنكتشف أن تأسيس الحكم الراشد يستدعي تشكيل ثقافة لدى الطفل تقوم على احترام القانون والنظام والوقت والمؤسسية والشفافية وقبول النقد والمحاسبة والشفافية، إلخ، ولعل هذا هو ما يؤخر تحقيق الحكم الراشد في كثير من الدول النامية.

هناك خطوات يجب اتباعها بحيث يتم تأسيس المسار الاستراتيجي يتم من خلال نقطتين، الأولى هي الوضع الراهن، وهو ما نعايشه في الواقع، والنقطة الثانية وهي ما نود الوصول إليه، وهي خيالية، فإذا نظرت لأي مبنى جميل قد لا تنتبه إلى أشياء جوهرية وهي أن هذا المبنى قبل أن يكون مكتملاً أمامك،كان موجوداً في خيال المهندس أو المهندسة التي قامت بتصميمه، وهذا يعني الحاجة للخيال عند استشراف المستقبل، وهي عملية قد تحتاج لتعزيز مهارات التفكير ودراسة التحليل الاستراتيجي والإلمام بحصيلة معرفية كبيرة ، إلخ .. والمهندسون هنا بمثابة العقل الاستراتيجي.

إن صناعة المستقبل لا يمكن أن تتم دون إسناد معرفي كافٍ، فعلى سبيل المثال كيف يمكن عمل تشكيل ثقافي؟ بناءً على رأي شخص قد يصيب أو يخطئ، لذلك وحتى يتم تأمين عمليات صناعة المستقبل يجب أن تستند إلى أكبر قدر من المعرفة والفكر، وبالتالي فإننا سنكون بحاجة لـ(شوربة معرفية) في مجال الوقاية الصحية حتى نضع خطتنا الصحية، و(شوربة معرفية) في مجال الكهرباء حتى نشكل مستقبلنا في هذا الجانب، ولعل الربط بين المعرفة والنجاح الاستراتيجي يعزز وبشكل كبير من دور السلطة العلمية وسلطة الإبداع كشريك في صناعة المستقبل.

إذا توقفت للحظة وانتبهت للمزايا العديدة المتوفرة في هاتفك المحمول ستلاحظ أشياء غريبة قد لا ينتبه لها كثيرون، فأنت ببساطة تقوم بمسح خفيف على شاشة الهاتف حتى تستقبل، أو تنهي المكالمة، هذه العملية لم تأتِ من فراغ وإنما وقف خلفها عدة آلاف من ساعات البحث قد تصل إلى خمسة آلاف ساعة ( 5 من المهندسين يعملون بشكل يومي لمدة 10 ساعات لمدة مائة يوم) حتى يصل لهذه العملية، وهكذا قد تحتاج لآلاف الساعات حتى تقوم بتكبير الصورة على الهاتف، ومثلها لخفض الضوء.

هذا يعني أن هناك أكثر من خمسين ألف ساعة من البحث وقفت خلف ابتكار هذا الهاتف وتصميمه، فإذا كان هذا هو حال الهاتف البسيط، فكيف ندعي تشكيل مستقبل في ظل ظروف بالغة التعقيد دون سند معرفي ودون فكرة .

إن المنتج النهائي سواء سلعة، أو خدمة، يجب أن يكون جميلاً ومتميزاً، خاصة ونحن ندخل لعصر يتوق فيه الناس للتجديد والتميز والجمال والتطلع إلى الأفضل، فإذا نظرت إلى أي سيارة من طراز مرسيدس، أو، أو قطعة كمبيوتر من هيتاشي، مثلا، أو هاتف من سامسونج، ستجدها جميعاً مميزة ورائعة، قطعة من الجمال والإبداع، هذا ببساطة يعني احتشاد الخيال والمعرفة والإبداع والجمال والحس المرهف بجانب المهارات الفنية العالية، خلف صناعة هذه السيارة، فإذا كان هذا هو الحال لمنتج صغير كسيارة، فما هو الحال عند السعي لتحقيق نهضة بلد.؟

اظهر المزيد
إغلاق