مقال

مفهوم الاقتصاد الاجتماعي ومكوناته

مقال: د. ناصر ابراهيم آل التويم:
الاقتصاد الاجتماعي هو نظام اقتصادي اجتماعي يتبنى اقتصاد السوق الحر بطريقة ذكية وعادلة لكنه يرفض الرأسمالية المطلقة القائمة على الملكية الخاصة التي لا تسمح للدولة بالتدخل في الاقتصاد والسوق مطلقا، كما يرفض الاشتراكية المطلقة والنسبية لتعارضها مع مبدأ السوق الحر.
لذا فهو اقتصاد يتسق مع النظم الاقتصادية ذات الطبيعة الاجتماعية والقائمة على الملكية الفردية – الاجتماعية بمعنى أن القرار الاقتصادي يجب ألا يتعارض مع مصلحة المجتمع، وألا يتسبب بانتفاء العدالة الاجتماعية والاقتصادية لأي شريحة من شرائح المجتمع وبالتالي فهو يتسق إلى حد كبير مع النظام الاقتصادي الاسلامي كنظام وسطي بين النظام الاقتصادي الرأسمالي والنظام الاقتصادي الاشتراكي.والاقتصاد الاجتماعي كظاهرة اجتماعية وعملياً قديم قدم الإنسان نفسه، حيث أن الأديان والرسالات السماوية والمواثيق المعاصرة الدولية أكدت على أهمية وضرورة العدالة الاجتماعية والاقتصادية كما هو موضح في ثنايا هذا المقال وبالأخص الدين الإسلامي وكذلك ما طرحه التعاونيون وبالتالي ظهور الفكر التعاوني والحركة التعاونية، حيث لاحظوا أن السعي وراء أقصى الأرباح كثيرا ما يقود إلى مساوئ اجتماعية فضلا عن أن المنافسة الرأسمالية الشرسة تؤدي بطبيعتها إلى الاحتكار وبالتالي فإن ذلك يتعارض مع تحقيق العدالة الاجتماعية للمجتمع  والرفاهية للأفراد.والعدالة الاجتماعية كانت محور الاهتمام بل من أهم ما قدم في جلسات ورشة فكرية أقامتها مؤسسة كونراداندناور الألمانية في مقرها الإيطالي  التي جرت في مكان جميل على شاطئ بحيرة كومو الخلابة في شمال إيطاليا حيث قدم بحث مثير للاهتمام قدمه استاذ ألماني زائر في الجامعات الأمريكية هو ماركوس ماركتانر الذي أرجع فيه الأصول الفكرية لاقتصاد السوق الاجتماعي ليس فقط لألفريد موللر أرماك وإنما الى المفكر العربي ابن خلدون قبل ذلك بخمسة قرون حيث أعتبره أول  من قرن الفكر الاقتصادي بالبعد الاجتماعي وهو.وأوضح ماركتانر في بحثه الشيق أن ابن خلدون ضمن مقدمته الشهيرة  بنظريته في رخاء الأمم حيث قرن فيها بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي  ونص علي ضرورة الالتزام بما سماه العدل وهو ما أصبح يعرف في الفكر الحديث بالعدالة الاجتماعية وقال ابن خلدون إنه بدون قيام الحاكم بتحقيق العدل بين الناس فإن الاضطرابات ستحدث حتما وهو بالتالي ما يعطل التقدم  وأوضح البحث بأن التقدم لايمكن أن يتحقق بدون شيوع العدل الذي هو من أهم القيم الدينية والإسلامية.والاقتصاد الاجتماعي كفكر تضبطه مبادئ محددة وتوجهات عامة هو نموذج اقترحه الألمانيان «الفرد أرماك» و « لوفيغ إير هارت» وهو يجمع بين اقتصاد السوق الحر وتلافي مساوئ الاحتكار والاستغلال ويرون بأن اقتصاد السوق الاجتماعي يجمع مابين مثالية العدالة والحرية والنمو المتوازن المعقول. والاقتصاد الاجتماعي يؤكد على أهمية اقتصاد السوق الحر بل ويعارض سيطرة الحكومة على وسائل الانتاج، لكنه يسمح بمبدأ تدخل الدولة للمصلحة العامة وفق ضوابط حكومية اقتصادية واجتماعية بحيث لا تتصرف الحكومة سلبيا يضر بمصالح طبقة ضد أخرى. فالغرض من الاقتصاد الاجتماعي هو تحقيق أعلى مستوى من الرخاء للمجموع عن طريق التدخل المدروس لأجل تحفيز الاقتصاد والحقيقة أن ألمانيا كانت سباقة بين الدول الرأسمالية في الاهتمام بالعدالة الاجتماعية، خاصة بعد سقوط جمهورية فايمار التي أوصلت الاقتصاد الألماني إلى وضع اقتصادي وما قاده ذلك  إلى  أوضاع اجتماعية غاية في السوء من فساد اقتصادي وسياسي.
وقد كان الفريد موللر أرماك الأستاذ الجامعي والمفكر الاقتصادي الكبير هو صاحب الحل حيث ابتدع نوعا آخر من الاقتصاد حقق نجاحا في ألمانيا الرأسمالية، لأنه يجمع بين مزايا الاقتصاد الحر الذي يعتمد علي آليات السوق والمبادرة الفردية ويحترم الملكية الخاصة لكنه في نفس الوقت يمنح الدولة سلطات للتدخل لم تنص عليها الرأسمالية التقليدية، كما وصفها آدام سميث، وهي سلطات تضمن المصالح الاجتماعية لطبقات الشعب المحرومة والكادحة وتؤكد مبدأ تكافؤ الفرص وتسمح بالدعم الذكي الموجه لهذه الطبقات, وكان اسم هذا الاقتصاد هو اقتصاد الســــوق الاجتماعي  Social Market Economy إن هـــــــــذا
النوع من الاقتصاد والذي يأخذ في حسبانه البعد الاجتماعي الذي تميز به الفكر الاشتراكي برغم انتشاره في الكثير من الدول الأوروبية بدرجات متفاوتة, يتناقص تماما من الفكر الاقتصادي الأنجلوساكسوني الذي ساد طوال القرنين الـ18 والـ19 في كل من بريطانيا والولايات المتحدة والذي لا يجيز تدخل الدولة اطلاقا حتي لو كان لضمان التكافل الاقتصادي في المجتمع.
اظهر المزيد
إغلاق