مقال

الإعلام ودوره في الاقتصاد الاجتماعي: الحاضر الغائب 

مقال / دكتور ناصرابراهيم آل التويم:
لقد خلق النظام العالمي الجديد وما تبعه من نظام إعلامي جديد سلسلة من التحديات أمام العالم عموما والعالم النامي بشكل أخص ولعل أبرز تلك  التحديات تتمثل في عدم إمكانية إنتاج المعلومات ونشرها بطريقة مستقلة واستخدامها بفعالية، الأمر الذي يحرمها من الكثير من فرص التنمية الحديثة وبالأخص التنمية الاقتصادية وفي هذا السياق فإن حرية التعبير والتداول الحر للمعلومات والأفكار والعلوم والانتفاع الحر والمتكافئ بها، تشكل عناصر أساسية لتمكين الناس من إدارة حياتهم  وضمان مشاركتهم الفاعلة في مجتمعاتهم.  لقد أصبح  الإعلام  التقليدي منه والحديث وكذلك تكنولوجيا  الاتصال والمعلومات أصبحوا  يحتلون  مكانة محورية في تقدم البشر وفي مناحي حياتهم وأسباب رفاههم لأنها  تتيح للناس في كل أنحاء العالم، إمكانيات جديدة وفرصا للارتقاء في سلم التنمية والتفاعل مع مع معطياتها والاستفادة من تسهيلاتها.
ولم يعد الإعلام كما كان يتصور وسيلة فقط للتسلية ونقل الأخبار،  فكما أصبح سببا للتقدم والتنمية من خلال الوعي والمشاركة في نقل المعلومات وممارسة سلطة رقابية على تجويد أداء الحكومات والمسؤولين،  أيضا أصبح الإعلام وبالأخص الاجتماعي منه مصدرا للثورات والقلاقل والمطالب للشعوب. وبمعنى آخر أصبح للإعلام دور مؤثر في المطالبة بالحقوق وتفعيل متطلبات التنمية المستدامة.
وتعتبر مسؤولية الإعلام تجاه عمليات التنمية المستدامة وبالأخص التنمية الاقتصادية مسؤولية أخلاقية ومجتمعية قبل أن تكون وظيفية، فالإعلام بكافة أنواعه ووسائله وكسلطة رابعة مطلوب منه تزويد المجتمع بأكبر قدر من الحقائق والمعلومات الدقيقة التي يمكن للمعنيين بالتنمية التحقق من صحتها ودقتها والتثبت من مصدرها، كما أن المجتمع مطلوب منه التعامل بمسؤولية مع الإعلام ، وبقدر ما يتعامل الإعلام مع الحقائق والمعلومات الدقيقة ومن مصادرها المعتمدة ، بقدر ما يساهم ذلك في تحقيق أهداف وبرامج التنمية بكفاءة وفعالية ومسؤولية.
ويركز الكثير من العلماء والمهتمين بدور الإعلام في التنمية على هذا الجانب ويولونه أهمية كبرى بل ويسمون ذلك الدور الذي يضطلع به الإعلام في تطوير المجتمعات باسم «الهندسة الاجتماعية» للإعلام الجماهيري ، خاصة عندما يركز هذا الدور على كيفية توجيه الجمهور لخدمة الوعي المجتمعي والرخاء الإنساني . ولا يخفى على الجميع بأن الهدف الجوهري للتنمية الاجتماعية لا يمكن تحقيقه بالصورة المطلوبة دون رفع المستوى الاقتصادي باستخدام برامج ومشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتوفير كافة أنواع الخدمات الضرورية وإشاعة العدالة المجتمعية، وهذه المستلزمات هي ما تكسب أفراد المجتمع مشاعر الولاء والحب لمجتمعهم.
الإعلام الاقتصادي ووظائفه
ونظرا لأهمية الإعلام بكافة أنواعه ووسائله فقد ظهر عدة أنواع للإعلام، ويعتبر الإعلام الاقتصادي هوأحد أهم فرع من فروع الإعلام، وهو الذي يكون متخصصا في  في نقل وتحليل وتفسير التغييرات والمتغيرات الاقتصادية التي تحدث في المجتمعات والتي تشمل كافة القضايا المتصلة بالاقتصاد من أفراد وشركات وأماكن، كما يشمل ذلك تغطيات شاملة لأداء الاقتصاد الكلي والجزئي ، بل وظهر العديد من المجلات المتخصصة والقنوات الفضائية الاقتصادية لمواكبة المستجدات الاخبارية لعالم المال والأعمال وحركة الأسواق والمؤشرات الاقتصادية وغير ذلك من التحليلات والبرامج الاخبارية الاقتصادية.
وتحت هذه المظلات الإعلامية الاقتصادية، ظهر العديد من الكتاب والأكاديميين الاقتصاديين الذين يبذلون جهوداً كبيرة في الكتابة والبحث في ثنايا الأرقام والمناهج  والمتغيرات الاقتصادية للشركات والمؤسسات والأسواق وظهر للإعلام الاقتصادي أنواع تمحورت مابين الإعلام الصادق النظيف والإعلام الذي دون ذلك. وتنوعت أسليب ووسائل الإعلام الاقتصادي مابين تقليدي وحديث اشتملت على  جرائد ومجلات ، بث إذاعي وتلفزيوني، ومواقع تواصل اجتماعي، إضافة للحملات الإعلامية والترويجية وعقد المؤتمرات والمحاضرات والندوات وخلافه.
وظائف الإعلام الاقتصادي
يعتبر الإعلام بكافة أنواعه ووسائله المحور المشترك لاهتمام كافة القطاعات، فلا يوجد قطاع يستطيع أن ينتعش وينهض بدون إعلام فاعل، خصوصا في أهمية مواكبة التغطية الشاملة والدقيقة للأحداث الاقتصادية.  والإعلام شريك في دعم البرامج الاقتصادية ومشاريع التنمية، كما أنه مسؤول بشكل مباشر عن الكشف عن التجاوزات والمعوقات التي تعترض سبل نجاح التنمية والتطويرفي كافة القطاعات، كما أنه يتحمل مسؤولية طرح مختلف وجهات النظر والآراء حول المسائل الاقتصادية وتكوين آراء مبنية على تحليلات ودراسات ومعلومات دقيقة وسليمة.
التزاوج بين الإعلام والاقتصاد
فوفقا للوظائف المتعددة والمتعدية للإعلام الاقتصادي، فإن الرابطة بين الإعلام والاقتصاد رابطة محورية ووظيفية  تتجاوز مفهوم العلاقة التقليدية أو المتخصصة للإعلام الاقتصادي. فالإعلام أصبح بحد ذاته اقتصادا ضخما يؤثر ويتأثر بمحيطه ومجتمه بل وفي العالم أجمع، حيث أصبح الاقتصاد جزءاً من صناعة الإعلام ويؤثر فيه، والإعلام جزء من صناعة الاقتصاد ويؤثر فيه. وهو ترابط تفرضه متطلبات العصر الحديث ومعطياته، وتأثير الإعلام لا يستهان به فالفرد أصبح الآن مؤسسة إعلامية لوحده وقادر على أن يحدث الفرق.
*رئيس الجمعية السعودية للإدارة

اظهر المزيد
إغلاق