مقال

ثالوث الحوكمة الإسلامية

سلطان سعود السجان

قامت الحوكمة الإسلامية منذ عهد نبيها عليه السلام وحتى تاريخه على ثلاثة مصادر رئيسية ؛ وذلك من أجل تقنين وتأطير تلك الحوكمة. سيبحر القراء الأعزاء في مقالة اليوم بين مصادر الحوكمة الإسلامية الثلاثة ، من خلال استعراض موجز لفهم جوهر المصادر ، وقد يختلف بعضكم معي في بعض التفاصيل ؛ بسبب اختلاف المذاهب الفقهية ، ولكن تبقى المصادر ثابتة وبإجماع العلماء – رحمهم الله – جميعاً.

أولى هذه المصادر ، وأهمها، القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة ، ومن هذا المصدر يستشف علماء المسلمين وخبراء الحوكمة الإسلامية مبادئ الحوكمة التي يجب أن تتبناها الدول الإسلامية في إدارتهم لشؤون الدولة ، أو في منظمات القطاع العام أو الخاص أو الخيري. وقديمًا – منذ العهد النبوي الشريف وحتى قبيل انتهاء الدولة الأموية – كان المبدأ الرئيس الذي تقوم عليه الحوكمة الإسلامية ومن خلاله تم استنباط باقي المبادئ واعتبارها مبادئ فرعيه هو مبدأ “التقوى”.

فتقوى الله تعالي هو الأساس في الحوكمة فمثلاً على الراعي أن يتقى الله في رعيته ؛ وذلك عن طريق إقامة العدل والمساواة بين الناس ، وتطبيق مبدأ المساءلة لولاة الأمصار ، وغيرها من المبادئ التي كانت تعتبر فرعية. بل إن مبدأ “التقوى” يشمل مستشاري الحاكم ، وقد أخبرنا الرسول صل الله عليه وسلم بأن (المستشار مؤتمن) والأمانة من التقوى. ثم بدأت تُسطرُ السطور وتُكتبُ الكتب عن مبادئ الحوكمة الإسلامية ، وأشهرها كتاب “الأحكام السلطانية” ، وكتاب “قوانين الوزارة” ، و “سياسة الملك” ، وكلا الكتابين للفقيه أبو الحسن الماوردي – رحمه الله تعالى.

أما المصدر الثاني فهو الشورى. وهذا المصدر تم تحديد مهامه وأدواره ومسؤولياته من قبل المصدر الأول المذكور آنفاً. ويجب أن يتصف أعضاء وأهل الشورى بالأمانة من خلال إعطاء المشورة الصادقة ، ثم من رجاحة العقل والحكمة ، وأخيرا من العلم والمعرفة والخبرة في جميع الأمور الحياتية للمجتمع مثل احتواء مجلس الشورى على خبراء في الاقتصاد والحرب والدين والتقنية الحديثة. أهل أو أعضاء مجلس الشورى لهم دور كبير في تحديد وتقنين المبادئ الفرعية للحوكمة حسب طبيعة الزمن والمكان. ففي حالة الحرب مثلاً قد يقترح أهل الشورى تعطيل بعض مبادئ الحوكمة مثل المسألة أو الشفافية في إعلان أعمال الدولة ، وللحاكم حرية الأخذ أو الرد لمثل هذه المشورات.

ويعتبر أهل الحل والعقد المصدر الثالث والأخير في ثالوث مصادر الحوكمة الإسلامية. وقد ضيق المصدر الأول نطاق عمل وأيضًا الفترة الزمنية لمصدر أهل الحل والعقد لأسباب كثيرة ، ومن أهمها (الفتنة أشدُ من القتل). وقد لخص علماء المسلمين الفروق بين أهل الحل والعقد وأهل الشورى في أربعة فروق. أولاً: أهل الحل والعقد يبتدؤون الشورى ، وأهل الشورى تُطلب منهم المشورة. ثانياً: يلزم أن يكون أهل الشورى من ذوي التخصص، وأهل الحل والعقد من ذوي التخصص، وذوي القدرة والشوكة. ثالثاً: مهمة أهل الشورى مستمرة ومنتظمة، وأما أهل الحل والعقد فمهمتهم طارئة. رابعاً: يمكن أن تكون المرأة وغير المسلم أعضاء في مجلس الشورى بخلاف أهل الحل والعقد فلا يمكن لهم ذلك.

لا أخفي للقراء الكرام حزني لقلة وندرة الأبحاث والأوراق العلمية والعملية الحديثة عن الحوكمة الإسلامية رغم أن المكتبة الإسلامية ذاخرة وغنية بالمعلومات عن هذه الحوكمة الإسلامية ، ولكن الله المستعان.

وتحياتي،،

اظهر المزيد
إغلاق