مقال

جهبذ الحوكمة الإسلامية

سلطان سعود السجان

الآلاف من المفكرين والكُتّاب والعُلماء سبقوا مقالة هذا اليوم في الحديث عن عمر بن الخطاب ، وعن شجاعته ، وإدارته ، وسياساته ، وحتى عن حياته الشخصية.

ولكن مقالة هذا اليوم – وأكاد أجزم بنسبة 99% – أنها سبقت الجميع في الحديث عن منظور جديد لهذا الصرح الشامخ والمعلم الإسلامي العظيم “عمر بن الخطاب”. ستتحدث مقالة اليوم عن أهم مبادئ الحوكمة التي تبناها ثم طبقها ابن الخطاب خلال فترة إدارته لشؤون الدولة ، وكيف أستطاع هذا الرجل المحنك أن يُؤسس نموذجًا متكاملاً في حوكمة الدولة ، أو كما يُطلق عليه في عصرنا الحديث ، حوكمة القطاع العام. ويجب التنويه أن جميع مبادئ الحوكمة التي تبناها ابن الخطاب هي مبادئ إسلامية مصدرها القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين عليه السلام.

مبدأ تعارض المصالح، ويعتبره ابن الخطاب من أهم المبادئ وأعظمها في الحوكمة ، والقصص في ذلك كثيرة ، ومنها عند تولى أبوبكر الصديق الخلافة ، وفي اليوم الثاني من توليه الخلافة ، وقد كان غاديًا إلى السوق ، وعلى رقبته أثواب يتجر بها، فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقال له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق. قال: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالا له: انطلق حتى نفرض لك شيئًا فانطلق معهما، ففرضوا له كل يوم شطر شاة وكسوة في الرأس والبطن. من هذا الحدث استطاع ابن الخطاب أن يفصل الولاية والملك عن التجارة حتى لا تتعارض المصالح الشخصية للحاكم مع مصالح شعبه.

مبدأ المشاركة في صنع القرار، وأقصد به مبدأ الشورى الإسلامي في مشاركة صنع القرار ، والذي يقوم على اختيار أكرم الناس “أرفع الناس قدراً” وعقلائهم وخبرائهم من مختلف التخصصات من قبل الحاكم من أجل مشاورتهم في أمور حياة العامة. ومبدأ الشورى مبدأ عميق في الإسلام ، وقد أستطاع عمر بن الخطاب صنع نموذج فريد من نوعه ؛ حيث استعان بطبقات متنوعة من الناس ابتدأ بكبار الصحابة مثل العباس بن عبد المطلب وأبي بن كعب ، ومن التجار عبد الرحمن بن عوف ، وعثمان بن عفان ، ومن دهاة العرب خبير الحروب والمعارك عمرو بن العاص. وعلاوة على ذلك، فلم يقتصر مجلس الشورى على كبار السن أو منهم فوق سن الأربعين مثلاً، بل كان عبد الله بن عباس ، الذي لم يبلغ العشرين في ذاك الزمن ، من أهم أعضاء مجلس الشورى بل كان المفضل عند ابن الخطاب. وفيما يخص المرأة وحياة الأسرة، فقد استعان ابن الخطاب بمشورة النساء ، وعلى رأسهم ابنته حفصة ، وقصة وضع وتطبيق سياسة عدم غياب الرجل عن زوجته أكثر من أربعة شهور مشهورة للجميع.

مبدأ المساءلة، والقصص عن ابن الخطاب في هذا المبدأ كثيرة ، وأشهرها قصة محاكمة سعد بن أبي وقاص أمام أهل العراق ، والمعروف عن سعد أنه من كبار الصحابة وأحد المبشرين بالجنة ، ومع ذلك لم يمنع ابن الخطاب من محاكمته أمام الناس ثم اعتزال سعد لهذا المنصب.

لا يتسع حيز هذه المقالة للحديث عن مبادئ أخرى للحوكمة في القطاع العام تبناها عمر بن الخطاب مثل مبدأ فاعلية وكفاءة الحكومة أو سيادة القانون أو جودة التشريعات أو السيطرة على الفساد ، وقد يأتي اليوم القريب للحديث عنه. وأخيرًا رضي الله عن جميع من ذكرتهم في مقالتي هذه.
وتحياتي،

دكتوراه حوكمة في القطاع العام

اظهر المزيد
إغلاق