مقال

قراءة في تقرير حالة المدن السعودية 2019 (5/5) أجندة التنمية الحضرية الجديدة في المملكة

عبدالإله بن عبدالعزيز آل الشيخ
خبير سياسات التنمية والتطوير

بدءً نأخذ هذه الفرصة لتهنئة جميع القراء والمتابعين بحلول عيد الأضحى المبارك جعله الله عيداً سعيداً وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، كما نرفع اسمى التهاني والتبريكات لوالدنا خادم الحرمين الشريفين لنجاح العملية وخروجه سالماً معافى ليلة العيد، وكما قال احدهم هذا يمثل عيدين فهنيئاً لنا بهذه الأخبار السعيدة، اعاده الله علينا وعليكم اعواماً عديدة ونحن بصحة وأمان في وطناً يضم الجميع تحت ضلاله.

وبما أن هذه الحلقة الأخيرة من سلسلة مقالات قمنا من خلاله بقراءة متأنية، لفهم حالة المدن السعودية عبر عقود من التنمية المتواصلة والجادة من أبناء هذا الوطن المعطاء، وذلك من خلال ما صدر حديثاً، عن برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat)، بالتعاون مع وزارة الشؤون البلدية والقروية، تقرير “حالة المدن السعودية 2019م”، والذي سبق أن أشرت بأنه من وجهة نظري الذي يشترك معي الكثير من المختصين من أشمل التقارير التي اطلعت عليها في السنوات الأخيرة، والتي تشخص حال المدن والتنمية الحضرية والإقليمية والفجوة ما بين الريف والحضر في المملكة.

ومع ذلك تجد بعض المعلقين ومن تسأل عن مستوى وجودة عمل في التقرير، وسبب قدم بعض المعلومات والإحصاءات والتي تعد مشكلة أزلية لدينا كباحثين وممارسين لا يستغربه أو يستنكره إلا من ليس له التجربة الكبيرة في البحث والدراسة، حيث أن توفر المعلومات والبينات والتي تتصف بالدقة والسلاسل الزمنية التي من خلاله نستطيع القياس والمقارنة ليست متوفرة بشكل آني وهذه حقيقة يعرفها كل الباحثين والأكاديميين ومن هنا نطلب الجهات المعنية بتوفير الإحصاءات ببذل جهود أكبر في توفير هذه البيانات وإتاحتها للباحثين بشكل سهل ومنظم ومفصل لنتمكن من جعل البحث العلمي والدراسات متاحة لكل الراغبين والمختصين.
ومع ذلك فإني في مقالي الأول قد نقدت تأخر صدور التقرير مما جعل الكثير من المعلومات تظهر بأنها قديمة وهذا السؤال يوجه لوزارة الشؤون البلدية والقروية الشريك في هذا التقرير وهو من يخول إصدار التقرير من عدمه.

وحول السؤال عن مدى مشاركة الخبراء والأكاديميين السعوديين في هذا العمل، فهو من طبيعة هذا النوع من التقارير التي تصدر من المنظمات الدولية ولو بمشاركة الدولة المستضيفة وهنا هي متمثلة في وزارة الشؤون البلدية والقروية، تكون مشاركتهم من خلال العمل المساند والتقارير الفنية لمواضيع تفصيلية تكون لبنة لبناء التقرير النهائي، وكما سبق أن اشرت في مقالي الأول وتوجيهي الشكر لكل من ساهم من خبراء ومختصين من أبناء هذا الوطن المعطاء ومسؤولين في الوزارة والقطاع البلدي من خلال ورش عمل وندوات ومؤتمرات عبر السنوات الماضية، لا يمكن نسف هذ الجهود وإنكار مساهمة هؤلاء الرجال والنساء بمجرد تعليق من من ليس له إطلاع على طبيعة عمل البرنامج ويكفي من خلال قراءة الصفحات الأولى من هذا لفهم طبيعة ومنهجية بنائه واصداره. ومع ذلك لا يتطلب أن يكون التقرير موافق لآراء الجميع وقد نقدته في بعض المواضع بشكل مختصر ولكن لا يمكن التقليل من شأنه كجزء من البناء المعرفي لدينا ولا التقليل من جهود المساهمين بها.
××××

وعود للتقرير وبعد خمسة فصول أفردها التقرير لتحليل اتجاهات التحضر في المملكة من جوانب عدة، ينهي التقرير هذه الدراسة والتحليل، بالإدارة والحوكمة التي تعنى بتفعيل ما سمي بالتحول الحضري.
مرتكزات الأجندة الحضرية ويخصص التقرير الفصل السادس للحديث عن فرص إيجاد أجندة للتنمية الحضرية الجديدة للمملكة، على نسق الأجندة الحضرية الدولية، التي أقرت في 2016م بمساهمة ومشاركة من المملكة حينها.

وترتكز الأجندة الحضرية الجديدة الدولية على مبادئ توجيهية هي:

● التعهد بألا يتخلف أحد عن ركب التنمية، وضمان استخدام الجميع للمدن وتمتعهم بها على قدم المساواة، والقضاء على الفقر.
● تحقيق ازدهار شمولي ومستدام وتأمين فرص للجميع.
● تعزيز مدن ومستوطنات بشرية مستدامة بيئياً ومنيعة في مواجهة الصعوبات والأزمات والكوارث.

مكونات الأجندة الحضرية
ولكون المبادئ المذكورة تشير بصورة عامة إلى ما ينبغي تغييره من خلال أطر توجيهية تمكينيه لكل دولة، وكون هذه المبادئ عالمية النطاق، ما يجعلها مقبولة إلى حد كبير بالنسبة إلى معظم الجهات المعنية، فهي تشير فقط إلى اتجاه التغيير، ولا تذهب إلى حدّ اقتراح ما الذي يتعينّ تغييره، أو كيفية إحداث التغيير، أو تحديد إطار زمني له، لأن الأهم في ذلك هو “التنفيذ الفعال” لمكونات الأجندة الحضرية الجديدة التي تشمل:

1- وضع وتنفيذ سياسات حضرية داعمة على المستوى الملائم، بين أصحاب المصلحة المتعددين، مع إقامة منظومة متكاملة للمدن والمستوطنات البشرية، لتحقيق التنمية الحضرية المتكاملة والمستدامة.
2- تعزيز إدارة المدن بسن تشريعات شاملة ومتكاملة لضبط وتوجيه التنمية الحضرية. وتفويض الصلاحيات المناسبة لمسؤولي المدن لضمان إعداد خطط التنمية الحضرية للتمكن من تحقيق الشمول الاجتماعي والنمو الاقتصادي المضطرد والشامل للجميع والمستدام وحماية البيئة.
3- إعادة إحياء التخطيط والتصميم الحضري والإقليمي الطويل الأجل والمتكامل من أجل الاستفادة المثلى من مساحات المدن، وتحقيق النتائج الإيجابية للتحضر.
4- دعم صياغة أطر وأدوات تمويل فعالة ومبتكرة ومستدامة، لتنمية مالية من أجل تحقيق وإدامة وتقاسم فوائد التنمية الحضرية المستدامة بطريقة تشمل الجميع.
5- تعزيز القدرات الفنية للجهات المحلية لتنفيذ أجندة التنمية الحضرية الجديدة، من خلال التخطيط والتصميم الجيدين لمشروعات التوسع والتطوير والتجديد العمراني وتنمية الأراضي الفضاء داخل المدن.

وكل ما سبق هو عموميات أوصت بها الأجندة الحضرية الجديدة لكل الدول، فيما لم يتقدم معدو التقرير بمقترح لأجندة متكاملة عدا التوصية بالاستفادة مما هو موجود لدينا، مثل الاستراتيجية العمرانية 2030 التي تسعى إلى تحقيق منظومة عمرانية متوازنة.

تحديات رئيسية
ومع ذلك أشار معدو التقرير إلى أنه تبقى هناك تحديات رئيسة ستواجهها المملكة في تنفيذ الأجندة الحضرية الجديدة في وضعها العام، وتبرز هذه التحديات في التكامل بين السياسات على المستويين الإقليمي والمحلي، فالاستراتيجية العمرانية الوطنية 2030، تقدم تصوراً شمولياً للتنمية، يتطلب تعديلات وتفصيلاً أكبر كي يتناسب مع حالة مناطق ومدن المملكة وفقاً لاحتياجاتها وإمكاناتها التنموية.

وبالمثل، فإن إعادة توجيه ديناميكيات النمو الحالية للمدن الخمس الكبرى، نحو المناطق الأقل نمواً والمدن الثانوية عبر توظيف مزاياها النسبية، تتطلب أن يكون هناك تدخلات رئيسة محددة، تتضمن مساهمة أكبر للقطاع الخاص في توفير البنية التحتية والخدمات الحضرية والجوانب الرئيسة المختلفة لسلسلة القيمة الحضرية. ويشمل ذلك وضع السياسات والتخطيط والتصميم والتنفيذ والتشغيل والصيانة والرصد والمتابعة، فضلاً عن تمويل وتوفر الخدمات الحضرية والسلع العامة.

أي بأختصار، ليس هناك حل سحري أو وصفة سحرية، كما يقال، يمكن أخذه لعلاج أو مواجهة هذه التحديات، بل هناك عناصر ومقترحات جزئية ومؤشرات أوضحها التقرير في مواضع كثيرة، والأجندة الدولية تعطي إطاراً ومبادئ وقيم يمكن البناء عليها؛ ولكن لتحقيق التحول الحضري المطلوب لمواجهة تلكم التحديات وتحقيق الكثير مما تصبوا إليها رؤية 2030 على المستوى المحلي، هناك حاجة ماسة لإقرار أجندة للتحول الحضري يشترك فيها جميع أصحاب المصلحة في حوار منظم ومفتوح، يجعلنا جميعاً نفخر بما أنجز ونتطلع به إلى المستقبل في تلاحم وطني يبنى على قيمنا ومبادئنا الوطنية التي تستقي إلهامها من ديننا الحنيف وتراثنا الأصيل عبر الاف السنين.

لذلك اقترح، قيام جهة متخصصة في إدارة الحوارات، أو مركز بحثي مستقل يستطيع تنظيم مثل هذه الحوارات بالتعاون والشراكة الأكيدة، مع الجهات المعنية سواء وزارات أو الأجهزة المعنية ببرنامج رؤية 2030، ودعوة ممثلي القطاع الخاص والمجتمع، ونتطلع إلى مثل هذا الحدث قريباً إن شاء الله.

وفي الختام أسأل الله العلي القدير، أن يكون لهذا الجهد المتواضع، الفائدة المرجوة، وأن يوفقنا جميعاً لما فيه خير هذه البلاد الطاهرة وتنميتها التنمية المستدامة، بما يحفظ للأجيال القادمة البيئة المناسبة للعيش الكريم، في ظل حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان، وأن يوفقهم لرفعة الوطن ونمائه.
للإطلاع على مزيد من التفاصيل الرجاء الدخول إلى موقع برنامج مستقبل المدن السعودية تقرير حالة المدن السعودية 2019 .

اظهر المزيد
إغلاق