رئيسيضيف العدد

الدكتور أحمد الشميمري رئيس جمعية ريادة الأعمال لـ “الريادة”: أعددنا مناهج ريادة الأعمال للمراحل الإبتدائية و المتوسطة و الثانوية ونأمل أن نرى تدريسها بمدارسنا قريبا

إجراءات حكومة المملكة السريعة لمواجهة جائحة “كورونا” أنقذت قطاعات كثيرة من الانهيار.. واستمرار برامج الإعفاءات من الرسوم والضرائب والتعرفات الجمركية حتى نهاية العام مهم للغاية

التحول للتقنية بسرعة واستعجال في قطاع المنشآت الصغيرة سيكون أثره السلبي أكبر.. ونجاح شركات الاتصال والتوصيل والتجارة الإلكترونية “مرحلي”

التحول للكيانات الكبيرة خطأ فادح ويجب تطوير أداء المنشآت الصغيرة .. وعلى الجهات المعنية بريادة الأعمال التواكب ومراجعة أطروحاتها وبرامجها ومشاريعها

عدد المنشآت الصغيرة في المملكة يناهز المليون والعاملون بها أكثر من 5 ملايين وأي ضرر يلحق بها يؤثر على الطبقتين المتوسطة والدنيا

الصناديق الحكومية الداعمة لقطاع المنشآت الصغيرة أدت دورا إيجابيا وتشهد تحولا في أنظمتها ونأمل حدوث نقلة كبيرة تكمل مسيرتها التاريخية

نحتاج إلى استراتيجية وطنية لقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالكامل تتضمن خططاً تنفيذية مستمرة ومستديمة لا تتغير بتغير الأشخاص

 

أحمد نصير

 

عبّر الدكتور أحمد بن عبدالرحمن الشميمري، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لريادة الأعمال، عن أمله في تدريس مناهج ريادة الأعمال في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية في القريب العاجل، مشيرا إلى أن الجمعية أعدت محتوى هذه المناهج .

وعن الإجراءات التي اتخدتها حكومة خادم الحرمين الشريفين لمواجهة آثار التداعيات الاقتصادية لجائحة “كورنا المستجد” (كوفيد 19) ، قال الدكتور الشميمري، في حوار خاص لـ “الريادة”: “إن سرعة اتخاذ هذه الإجراءات أنقذ قطاعات كثيرة من الانهيار، داعيا في الوقت ذاته إلى استمرار برامج الإعفاءات من الرسوم والضرائب والتعرفات الجمركية حتى نهاية العام فضلا عن تيسير إجراءات التراخيص الحكومية.

ورأى الدكتور الشمييري أن نجاح شركات الاتصال والتوصيل والتجارة الإلكترونية هو نجاح مرحلي بحكم الحاجة والطلب الكبير، لكن استدامة هذه المشروعات تتطلب دراسة جدوى أعمق قبل التشجيع نحو التحول إلى هذا الاتجاه. خاصة وأننا نشترك مع باقي العالم في استغلال هذه الفرصة المؤقتة، منوها بأن الجائحة دفعت للتوجه نحو التعاملات عن بعد وأثرت على السلوك الاستهلاكي لشرائح المجتمع فازدهرت بعض المجالات ذات العلاقة ونمت بعض المشرعات الراكدة لكن لن يستمر هذا الطلب ولن يبقى هذا الصعود ما لم تكن هناك قيمة مضافة مستديمة لكل مشروع من هذه المشاريع.

كما قدّم رئيس الجمعية السعودية لريادة الأعمال أجوبة ورؤية حول العديد من الملفات الآنية المتعلقة بالاقتصاد الوطني وريادة الأعمال .. فإلى تفاصيل الحوار:

• ما الذي قدمته جمعية ريادة الأعمال التي تنضوي تحت جامعة الملك سعود أو الجامعة الأم في المملكة لقطاع رواد الاعمال ؟ وما الخطط والأفكار المستقبلية التي تزمع الجمعية تنفيذها ؟

جمعية ريادة الأعمال هي جمعية علمية تأسست عام 2008م أي قبل إثني عشر عاماً شهدت خلالها تطور ريادة الأعمال في المملكة منذ سنينه الأولى، وهي أول جمعية علمية في العالم العربي تهتم بالعلوم والمعارف المتخصصة بريادة الأعمال. ونحن نؤمن بالجمعية أن ريادة الأعمال في كل بلد هي منظومة متكاملة تلعب كل جهة من الجهات دوراً محدداً يتكامل مع أدوار الآخرين. ودورنا هو الجانب العلمي والتثقيفي لرواد الأعمال. ومن هذا المنطلق فإننا نفخر أننا أول من رسخ ترجمة مصطلح (Entrepreneurship) ليكون ريادة الأعمال بعد أن كانت الترجمات في العالم العربي وفي السعودية تتردد بين المبادرة (مبادر) والمبادأة (مُباديء) والعصامية (عصامي) وفي المغرب العربي كان يطلق عليها الإعتمار. كما نسعد بأننا نظمنا أول مؤتمر يُنظم في السعودية بمسمى (ريادة الأعمال) عام 2009م. وفيه تم التوافق مع عدد من الجهات العربية الفاعلة في كل من الأردن ومصر والسودان على توحيد تعريب المصطلح لينتشر بعد ذلك المسمى في كافة الدول العربية. وتفخر الجمعية أن أعضاءها هم من أوائل المتخصصين في العالم العربي الذين قاموا بتأليف المناهج التدريسية العربية لطلاب الجامعات ولا تزال كتب أعضاء الجمعية هي المرجع الأصيل في ريادة الأعمال لمعظم الجامعات السعودية. كما تفخر الجمعية أنها قامت بإعداد المحتوى لتدريس ريادة الأعمال للمرحلة الإبتدائية والمرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية، ونأمل أن نرى تدريسها في مدارسنا في القريب العاجل.

أما مشاريعنا المستقبلية فسنستمر في تركيزنا على دورنا المتمثل في إنماء العلم ونشر الثقافة والمهنية، فكما أطلقت الجمعية الرخصة الدولية لريادة الأعمال للتأكيد على مهنية ريادة الأعمال وأن التأهيل السليم متطلب أساس لنجاح رواد الأعمال، فإننا سنستمر في طرح الرخص المعتمدة لممارسة حقول هذا العلم. وسوف نركز على الاعتمادات المؤسسية لتجويد مخرجات التأهيل الريادي، خاصة بعد التحول الكبير للتدريب عن بعد جراء التغيرات الإيجابية الناتجة من جائحة كورونا.

• ما أهم التحديات التي تواجه ريادة الأعمال في المملكة وماذا عن مستقبل هذا القطاع ؟

التحديات التي تواجه ريادة الأعمال معقدة ومتشعبه تمتد إلى كامل منظومة الأعمال لدينا، فتسهيل إنشاء الأعمال هو مطلب ومعيار دولي تقاس من خلاله مدى تنافسية الدول. فإذا كانت المنشآت الصغيرة التقليدية بحاجة إلى نظام داعم قوي ومتماسك وقليل التغيرات، فإن منظومة ريادة الأعمال بما تستوجبه من مواكبة سريعة للمتغيرات التقنية والابتكارية والإبداعية بحاجة أكبر لاستراتيجية على مستوى الوطن تطبق لدعم ريادة الأعمال. وهو حلم نتمنى أن يتحقق. فبغير استراتيجية داعمة لريادة الأعمال تحديداً فسوف نتفاجأ بتقاطع المصالح والأنظمة التي لا تتوافق مع طبيعة كل مجال. وإجمالًا فإن التحديات التي تواجهها ريادة الأعمال هي تحديات عالمية مشتركة تستطيع الدول تجاوزها كلما وضعتها من أولويات التنمية وأسبقية المعالجة. فمن التحديات الأساسية أن التغيير السريع والمفاجئ للأنظمة والسياسات والإجراءات هو كالصدمة التي لا تحتملها الأجسام الصغيرة والضعيفة وتمتصها الأجسام القوية وحدها، ضف إلى ذلك فإن التحول السريع للتقنية في الإجراءات الحكومية بدون تمكن وجودة عالية في أدائها هو تحدي آخر أمام تيسير الأعمال للمنشآت الصغيرة. ومن التحديات أيضاً أن تزداد وتتعدد جهات التراخيص بشكل ملفت مما يهدر الوقت الطويل والجهد المضني لرائد الأعمال. وتعتبر زيادة الرسوم على المنشآت الصغيرة المتعلقة بالعمالة والموظفين هي تحدي آخر أثقل كاهل رواد الأعمال وأصحاب المنشآت الصغيرة. كما أن المنافسة المحتدمة بين القطاعات الحكومية والشركات الخاصة ألقت بظلالها على المشروعات الصغيرة وحدّت من قدرتها للحصول على حصة بسيطة من السوق، فالتنافسية العالية في السوق هي مطلب لنضجه وجودته ولكن هذه التنافسية في الوقت ذاته ينبغي أن تكون منصفة للمنشآت الصغيرة والناشئة كي تساهم في عجلة الاقتصاد الوطني لا أن تكون عبئاً عليه. وبالرغم من وجود هذه التحديات فإننا لا نغفل دور بعض الجهات الحكومية للحد من الآثار السلبية لهذه التحديات، فهناك برامج عدة تحفيزية لقطاع المنشآت الصغيرة وتبذل وزارة التجارة والاستثمار جهوداً كبيرة لتقصي العوائق وتسهيل الأعمال، وآمل أن تثمر إيجابياً لتجاوز هذه التحديات الكبيرة أمام القطاع.

• هناك من يقول إن الجهات المعنية بقطاع ريادة الأعمال لم تعمل على تبيئة ريادة الأعمال بمفهومها المتعلق بالأدوات والإجراءات والأفكار الجديدة في إدارة المنشآت الصغيرة، وإنما اقتصر عملها على تغيير المسمى (ريادة الأعمال)، وماتزال تعمل وفق مفهوم أصحاب المحلات الصغيرة …ماتعليقك ؟

هذا الرأي صحيح ولكن ليس على إطلاقه، فقبل أكثر من عقد من الزمن إلتفت الجهات المعنية والمهتمة بالمنشآت الصغيرة والمشروعات متناهية الصغر بريادة الأعمال، ولم تفوّت بريق المصطلح فتمسكت بالمسمى دون الاهتمام الحقيقي بجوهره وكنهه فأوهمت نفسها ومن حولها من المجتمع أنها تمارس ريادة الأعمال، وقامت بجهل أو تجاهل تشويه المصطلح وتهميش أثره. وحينما بدأ المجتمع ينضج والمفاهيم تتضح في ظل التواصل العالمي المفتوح والتبادل المعرفي الكبير أدركت تلك الجهات أنها كانت بعيدة عن كنه ما تدّعيه.

واليوم بعد أن أصبح القطاع الخاص ورواد الأعمال المستقلين يلعبون دوراً كبيرا في قطاع الإبتكار وريادة الأعمال إنكشفت تلك الجهات ولم يعد يسعها سوى التواكب ومراجعة اطروحاتها وبرامجها ومشاريعها.

• في ظل الكيانات الكبيرة في قطاع الأعمال التي تقدم الخدمات والتموين الاستهلاكي والتي أصبحت تسيطر على الأسواق، هل يمكن المراهنة على مستقبل واعد لقطاع ريادة الاعمال ؟

الاعتماد على الكيانات الكبيرة في كل القطاعات هو الخطأ الفادح الذي وقعت فيه أوروبا ففي بداية الثمانينات الميلادية مرت أوروبا بهزات اقتصادية، وركود، وبطالة، ومواجهة مستمرة مع النقابات العمالية. وبدأت تتزعزع نظريات التعاون التكاملي بين النظام الثالوثي: (الحكومة، الشركات الكبيرة، العمالة المنظَّمة)، وتبين أن الشركات الكبيرة وفق هذه النظرية لم تتصف بالابتكار والإبداع المطلوب، كما لم تساعد على خلق وظائف جديدة، ولم تحقق الأهداف الاقتصادية المرجوة للحكومات، وأدى العمل في الكيانات الكبيرة إلى العزلة، والملل، وارتفاع حالات الأحزاب، ومعدلات الغياب عن العمل، ومعدلات دوران العاملين، وشيوع الإنتاج بالجودة المتدنية. وظهرت حينذاك أطروحات جديدة للإنقاذ، مثل: الثقافة المؤسسية، والعودة إلى فرضيات الاقتصاد الليبرالي المتحرر من التدخل الحكومي في الشؤون الاقتصادية، كما برزت أطروحات علمية تفرق بين التوسع في الإنتاج الكبير والنمو. وقررت تلك الأطروحات أن أهداف الدول يجب أن تتحول من الزيادة في الإنتاج إلى مفاهيم “النمو” “Growth” والديمومة “Sustainability”. وظهرت أفكار توسعت كثير من الدول في تطبيقها مثل فرضية روبرت سولو، الذي حاز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1986م، حيث أوضح أن أمريكا، والدول الصناعية، في حاجة إلى التخلي عن النمو “بالقوة الغاشمة”، وتبني “النمو الذكي”، ذلك النمو القائم على الإبداع، والابتكار، والتطوير.

واتضح لصناع القرار في الدول العظمى أن هناك دوراً مهماً في النظام الاقتصادي للمشروعات الصغيرة لا بد أن تؤديه، وأنها يمكن أن تكون تلك الكيانات الصغيرة القوة الدافعة لانبعاث نهضة اقتصادية جديدة، خاصة أن النتائج الناجحة، والآثار الإيجابية لدور المشروعات الصغيرة في نمو اقتصاديات ألمانيا واليابان، ظاهرة للعيان. فتبنت بريطانيا بوضوح إبان حكومة مارجريت تاتشر في الثمانيات الميلادية مفاهيم التخلي عن التدخل الحكومي، والخصخصة، وإعادة الهياكل الاقتصادية. كما تبنت أمريكا نشر مفهوم ريادة الأعمال، واحتضان ودعم المشروعات الصغيرة بقوة، وازدهرت فيها مصطلحات الاستعانة بالغير (Outsourcing)، وتقليص حجم العمالة (Downsizing)، وإعادة هندسة العمليات (Re-Engineering)، ومنح الامتياز (Franchising)، والشركات التابعة (Subsidiaries).وبرزت أسواق جديدة قادرة على التجديد والإصلاحات العاجلة، وتبسيط عمليات الشركات الكبيرة، وإسناد الأعمال الأخرى إلى الغير. من تلك الأسواق والتجارب الناجحة تجارب أستراليا، وفنلندا، وسلوفاكيا، والنمور الآسيوية التي أوجدت بيئة خصبة لرواد الأعمال، فالتحول العكسي إلى الكيانات الكبيرة في بعض القطاعات كالتجزئة التي تمثل أكثر من 45% من قطاع المنشآت الصغيرة بحسب إحصاءات 2020 وكذلك قطاع الخدمات الذي تمثل أكثر من 30% من المنشآت الصغيرة ويعمل فيهما أكثر من 700 ألف عامل، تتطلب التفاته لدراسة الأثر المتوقع من جراء التحول للكيانات الكبيرة. وفي المقابل فإن رؤية المملكة الرشيدة 2030 تتطلع أن تساهم المنشآت الصغيرة بما يصل إلى 35% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030 وهو ما يستدعي التوقف طويلا والتبصر عند مقترح التحول للكيانات الكبيرة، والتركيز على البدائل الأخرى المتعلقة بتجويد أداء المنشآت الصغيرة وتطوير تنافسيتها.

• تواجه منشآت رواد الأعمال إشكالات متعددة تنتهي بالكثير منها إلى التعثر وربما الفشل ..في رأيكم ما أهم أسباب ذلك؟ وكيف يمكن معالجة هذه المعوقات والمشاكل؟

دعنا نقرر أولاً أن الفشل ليس عيباَ، بل هو أحد المخاطر المحتملة في مجال ريادة الأعمال، فريادة الأعمال بوصفها عملاً مبتكراً وغير مألوف لدى المجتمع فإن نسبة الفشل فيها عالية، وليس بمستغرب أن يفشل رواد الأعمال مرة ومرتين أو ربما أكثر حتى يصلوا إلى مرادهم ويحققوا شغفهم وأهدافهم. وتقرر الدراسات العلمية في هذا المجال أن نسبة فشل المشروعات الصغيرة تصل إلى 35% في سنتيها الأولين. لكن في المقابل هناك طرق ومناهج ومتطلبات لتجاوز هذا الفشل بل ولتجنبه منذ البداية. والمنشآت الصغيرة هي محرك أساس للاقتصاد خاصة إذا علمنا أن عددها في المملكة يناهز المليون منشأة يعمل فيها ما يزيد عن 5 مليون عامل. فلك أن تتصور عندما تخفق هذه المنشآت أو تتضرر كم من الأثر المتوقع الذي سيقع على الطبقة المتوسطة والدنيا.

• يرى البعض من المهتمين بقطاع رواد الاعمال بأن الجهات التي تقدم التمويل لرواد الاعمال ومنها بنك التنمية الاجتماعية يعتمد في تقديم القروض على اشتراطات شكلية وليست موضوعية ودقيقة، كما يفتقر إلى وجود آليات متابعة وإشراف على المشروعات الصغيرة ، وهو ما يؤدي إلى تعثر بعضها وهدر هذه المبالغ المقدمة ..في رأيكم كيف ترون آليات واشتراطات الدعم ؟ وما مقترحاتكم بهذا الشأن ؟

الصناديق الحكومية الداعمة لقطاع المنشآت الصغيرة مرت بمراحل من النضج في التعامل مع متطلبات رواد الأعمال وأصحاب المنشآت الصغيرة ما يحتم عليها إعادة النظر في دورها في منظومة ريادة الأعمال في كامل الوطن. وهذه النظرة كانت تغيب عن بعض القائمين على إدارة بعض هذه الصناديق ظنا منهم أن جهتهم قادرة على أداء كافة عمليات المنظومة فتقع في إشكالية التعثرات التي يواجها المشروع. فمسار عملية الدعم لأي مشروع تتخلله متطلبات تضمن نجاحه، منها المتطلبات السابقة للحصول على التمويل، ومنها المتطلبات الأساسية أثناء إنشاء المشروع، ومنها المتطلبات المتعلقة بمتابعة المشروع. وكل مرحلة من هذه المراحل فرق متمكنة لتطبيقها والإشراف عليها. فإذا غابت هذه المنهجيات وغاب تنفيذها فلا عجب أن نشهد التعثرات المتلاحقة في مشاريع بعض الصناديق. ومجمل القول، أن هذه الصناديق قد أدت دورها التنموي المخلص في الماضي بما يشهد على أثرها الإيجابي على كثير من المشروعات الصغيرة. وهي اليوم تشهد تحولاً وتنظيماً جديداً في هياكلها ومرجعيتها وارتباطها، ونتطلع ان تكون نقلة كبيرة تعزز دورها الإيجابي وتكمل مسيرتها التاريخية الكبيرة في دعم وإنماء المشروعات الصغيرة.

• هل ترون أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة في حاجة إلى إعادة تقييم التوجهات والأهداف الاستراتيجية والخطط والأدوات المحددة لتنفيذها والتركيز على التقنية بشكل كبير مستقبلا؟

بالرغم مما ذكرنا آنفاً من تحديات فإن الحلول المطروحة لدى جهات الاختصاص في الوزارات والجهات الحكومية هي حلول جميلة ورائعة وتم استنساخ بعضها من دول متقدمة ناجحة، لكن كل هذه الجهود ما لم تجتمع في خطة استراتيجية وطنية لكل القطاع تتضمن خططاً تنفيذية مستمرة ومستديمة لا تتغير بتغير الأشخاص، فربما لن تحقق أثراً كبيراً في أرض الواقع، ناهيك أن بعض هذه الأفكار التي تبدأها بعض الجهات تبقى محدودة التطبيق وأثرها لا يتعدى المنطقة المحدودة التي جربت فيها هذه الحلول والأفكار. فطموح قادة هذا الوطن ومواطنيه لا يقتصر على القول بأن لدينا هذا البرنامج ولكن أن نبين مدى الأثر الممتد زمنياَ ومكانياَ الذي أحدثه هذا البرنامج على أرض الواقع.

• نجحت قطاعات مثل التجارة الإلكترونية وخدمات التوصيل والاتصالات في تحقيق أرباح في ظل الظروف الحالية .. كيف يمكن دعم التوسع في المشاريع الصغيرة في هذه القطاعات؟

التحول للتقنية بسرعة واستعجال في قطاع المنشآت الصغيرة سيكون أثره السلبي أكبر وأعقد، خاصة وأن الخدمات الحكومية في هذا الجانب لا تزال لم ترق إلى الجودة العالية لاستيعاب الطلب عليها في الوقت الحالي. فمع إيماننا الكبير بأهمية التوجه نحو الحكومة الإلكترونية في التعاملات المختلفة، إلا أن تجويد هذه المنصات والخدمات والبنى التحتية لها في القطاعات الحكومية المناظرة متطلب أساس قبل المضي قدماً في تشجيع ودفع المنشآت الصغيرة نحو التحول إلى هذه التقنيات. فلا تزال المنشآت الصغيرة تعاني بشدة من الاستفادة الكاملة من الخدمات الإكترونية عن بعد، وتخفق بعض المواقع عن إمكانية استيعاب الداخلين على خدماتها، وهذا يدفعنا للقول مرة أخرى ان المبادرات التي تطلقها بعض الجهات المختصة بريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة بحاجة إلى تأطيرها ضمن خطة تكاملية مع باقي القطاعات. أما على مستوى المشروعات فإن نجاح شركات الاتصال والتوصيل والتجارة الإلكترونية هو نجاح مرحلي بحكم الحاجة والطلب الكبير، لكن استدامة هذه المشروعات هي محل نظر تتطلب دراسة جدوى أعمق قبل التشجيع نحو التحول إلى هذا الاتجاه. خاصة وأننا نشترك مع باقي العالم في استغلال هذه الفرصة المؤقتة. وفي نظري أن الجائحة فد دفعت للتوجه نحو التعاملات عن بعد وأثرت على السلوك الاستهلاكي لشرائح المجتمع فازدهرت بعض المجالات ذات العلاقة ونمت بعض المشرعات الراكدة لكن لن يستمر هذا الطلب ولن يبقى هذا الصعود مالم تكون هناك قيمة مضافة مستديمة لكل مشروع من هذه المشاريع.

• قدمت الحكومة حزمة من الإجراءات والمبادرات والدعم بلغت أكثر من 120 مليار ريال لمساندة القطاع الخاص والتخفيف من تداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد الوطني عموما وفي مقدمته ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة.. كيف ترون هذه المبادرات وما الذي يحتاجه القطاع من دعم ليتعافي من أزمته خلال الشهور المقبلة؟

تقدم الجهات الحكومية عدة حلول وبرامج بعد مراجعة تحليل السوق وحالة الاقتصاد، وكانت استجابة حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين استجابة سريعة لاحتواء أثر الجائحة على الاقتصاد. وأعتقد ان المخصصات المالية للعمالة والإعفاءات والتأجيل للرسوم والضريبة من الجهات الحكومية خطوة إيجابية كبيرة انقذت كثير من القطاعات من الانهيار. وفي نظري المتواضع أن برامج الإعفاءات من الرسوم والضرائب والتعرفات الجمركية مهم للغاية أن تستمر حتى نهاية العام لتستطيع أن تنهض بعض القطاعات – خاصة الصغيرة منها – وتتعافى بعد الانقطاع الاضطراري عن العمل الذي داهم الجميع. يتزامن مع ذلك التجاوز والتغاضي عن بعض الشروط والإجراءات الحكومية لتجديد التراخيص واستخراجها واستقدام ونقل العمالة وإجراءاتها. فلربما كان التسهيل في الإجراءات وتقليصها واختصارها خلال هذه الفترة له أثر كبير يوازي الدعم والتحفيز المالي، على أن يكون هذا التجاوز والتسهيل بمدة محددة تنتهي بنهاية هذا العام الميلادي الحالي.

اظهر المزيد
إغلاق