فكر إداري

برامج‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬أسلوب‭ ‬متطور‭ ‬لمعالجة‭ ‬التشوهات‭ ‬الاقتصادية

مختصون‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الإدارة‭ ‬لـ«الريادة‮»‬

إعداد: مصطفى محكر :

أكد مختصون وخبراء في علم الإدارة أن برامج ريادة الأعمال تعتبر أسلوبا ناجعا ومتقدما لمعالجة التشوهات الاقتصادية والتأخر الإداري في العديد من الدول العربية، مؤكدين في حديثهم لمجلة «الريادة» أن الخلل في بيئة العمل الإداري ينتج عنه سوء تخطيط وفشل ذريع في مشاريع حيوية عديدة، مما يتطلب سن تشريعات وقوانين إصلاحية جديدة.. فإلى تفاصيل جولة الفكر الإداري.

قال البروفسير محمد حسين أبوصالح وزير الشؤون الاستراتيجية والمعلومات السابق في السودان، والخبير الإداري، إن العالم العربي عانى كثيرا من سوء التخطيط والإدارة لذلك فهناك مشاريع كثيرة لم تزدهر كما هو الحال في الغرب، وأثنى على تجربة المملكة العربية السعودية مشيرا إلى أن المملكة اعتمدت استراتيجية طموحة اسمتها رؤية 2030، وهي خطة تشجع على الابتكار وريادة الأعمال، وقد بدأت تحقق المملكة نجاحات كبيرة، اقتصاديا واجتماعيا، مبينا أن الرؤية السعودية تقوم على التخلي عن النفط بالتدريج، وإيجاد بدائل أخرى وفقا لتصريحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لذلك ستتطور المملكة بصورة تضاهي كبرى دول العالم .

‭ ‬سياسة‭ ‬التحرير

وأشار أبو صالح إلى أن التشوهات التي أصابت الاقتصاد العالمي، أو عددا من دول العالم تعود لعدم تطبيق سياسة التحرير الاقتصادي وهي سياسة بها إيجابيات كثيرة، لأنها تشجع القطاع الخاص وتعترف بالإبداع ورغم ذلك توجد بها آثار سلبية، تتمثل في عدم وجود جدوى اجتماعية، فالمشروع مربح ولكن هنالك خلل في توزيع هذا الدخل القومي، الأمر الذي أدى لنوع من الفقر والعطالة، وأدى كذلك لتشوهات اجتماعية .

وشدد البروفسير أبو صالح ، على ضرورة معالجة التشوهات الاقتصادية ومن ضمنها اعتماد مبدأ ريادة الأعمال وهو أسلوب يشجع المنتج الصغير على الإبداع والابتكار ويعزز مهارات الشباب ويخلق فرص عمل وهو وسيلة عملية لربط الاقتصاد الكلي بالاقتصاد الجزئي واستخدام هذا النموذج في كثير من دول العالم قاد لنتائج واضحة جدا فيما يتعلق بتوفير فرص عمل وعلاج بعض التشوهات الاجتماعية والأمنية .

‭ ‬غياب‭ ‬الرؤية‭ ‬الاستراتيجية

وأوضح أبو صالح أن الخدمة المدنية رغم أنها كانت علي مستوى متقدم في فترة من الزمان في الستينيات والسبعينات ولكن لا توجد حاليا رؤية إستراتيجية متكامله لتطويرها، وفي ذات الوقت الخدمة المدنية تأثرت بالأداء السياسي، لأننا لم نستطع أن نعمل بتوازن بين السلطة السياسية والسلطة المهنية المتمثلة في الخدمة المدنية فسوف يحدث خلط كبير باعتبار أن الأنظمة السياسية في العالم العربي بصورة عامة، تقوم بين فترة وأخرى بتمكين، أو تطهير فيفصل الموظفون من الخدمة بحسب توجهات معينة، ويتم تعيين موظفين أقل كفاءة وكل هذا أدى عبر مراحل الي تدمير جزئي للخدمه المدنية .

وأضاف أبو صالح: مع تدهور البيئة الإدارية والخدمة المدنية، قد يصدر قرار سياسي يتخطى حدوده وهو مهني بالدرجة الأولى، ولهذا لم تظهر بالسودان، وبعض الدول العربية رؤية شاملة تعد الفكر الإداري لتطوير الخدمة المدنية وتمنع هذا التغول، لذا يجب على الحكومات العربية انتهاج استراتيجية تعطي الإدارة والخدمة المدنية المزيد من الاهتمام، مع تقديم دعم كبير للمشاريع الناشئة وتشجيع قطاعات الشباب وجذب الاستثمار.

‭ ‬ترسخ‭ ‬الريادة

قال أبو صالح: نحن بحاجة لترسيخ مفهوم ريادة الأعمال، فهناك إمكانيات مهدرة في الانتاج الحيواني، فعلى سبيل المثال في السودان بمناطق دارفور وكردفان يمكن أن ننتج منتجات غذائية زراعية وحيوانية وفيرة، نسبة لتوفر الخام هناك، مشيرا إلى أن ذلك يشير لوجود خلل إداري واقتصادي كبير، وهو واقع يحتم ضرورة الاهتمام بالنظم الإدارية وإشاعة مفهوم ريادة الأعمال، وذلك حتى يكون السودان وغيره من الدول العربية قادرة على سد الفجوة الغذائية في العالم العربي.

‭ ‬تجارب‭ ‬عالمية‭ ‬

وأشار إلى التجارب الناجحة في مجال ريادة الأعمال عالميا، كتجربة (نور آسيا) في ماليزيا فهي ملهمة جدا لشباب الأعمال، وهذا يؤكد أن انتهاج منهج ريادة الأعمال مقرونا بالفكر الإداري والجماعي للدولة، بالإضافة إلى أن سياسة الدول تجاه الابتكار والإبداع تؤدي إلى تطور وإبداع وإنجاز تستفيد منها هذه الدول، وأضاف: كذلك نجد بريطانيا التي استخدمت هذا الأسلوب وحقق لها الكثير من النجاحات، على الرغم من أنها دولة كبيرة وقد لا تحتاج لهذا الأسلوب.

وقال البروفسيور أبو صالح « العالم العربي يفتقر إلى العقل الإستراتيجي المشترك وإذا تحدثنا عن العقل الإستراتيجي الاقتصادي المشترك الذي ينظر لكل موارد العالم برؤية شاملة ويصل لأهداف إستراتيجية وبرامج عربية مشتركة تنفذ حسب المزايا النسبية للدول العربية المختلفة، بما فيها من موارد وموقع جيواستراتيجية وخدمات لوجستية مع التمويل مع السند السياسي المنطقة العربية ستكون مختلفة تماما عن وضعها الراهن، وهنالك مزايا نسبية في الإقليم العربي الإفريقي (السودان مصر الجزائر تونس مورتانيا جيبوتي الصومال)، حيث فيها موارد معدنية وأراضٍ زراعية خصبة جدا والعالم يحتاج لها ولأنه لاتوجد رؤية وغاية وهدف إستراتيجي مشترك، أو سياسة عربية مشتركة وكل هذا سببه عدم وجود آلية تنفيدية دينامكية لتتعامل مع هذا الواقع الكبير ولذلك أعتقد أن هناك تحدياً كبيراً جدا يواجهنا في المنطقة العربية».

‭ ‬غياب‭ ‬الرؤية

وبيَّن أبو أصالح أنه لا يكفي أن يكون لدينا موارد كثيرة فقط، بل نحتاج لتخطيط وعمل إداري وهو ماينقصنا في السودان، وبعض الدول العربية، حيث نفتقد للرؤية الإستراتيجية، ونجد أن السودان منذ 1956، لم يتوافق على رؤية إستراتيجية وهنا أتحدث عن خطة للدولة السودانية لا أتحدث عن خطة الحكومة السودانية، ولا أتحدث عن خطة لحزب، وهي خطة نحدد فيها رؤية إستراتيجية واضحة جدا ونضع فيها خطط تنموية، اجتماعية وسياسية واقتصادية تخرجنا من دائرة الفقر، مضيفا: نحن دولة لديها 200 مليون فدان ومياه وفيرة ونستورد الغداء ونستجدي العالم الخارجي وهذا الخلل تقع مسؤوليته على الجميع وهو التحدي الراهن، حيث يحتاج السودان لرؤية إستراتيجية للدولة يتم من خلالها استغلال الموارد، مشيرا أن الانتاج الحيواني لوحده يستطيع أن يقود السودان لحياة رفاهية دون التفكير في المعادن ومصادر الطاقة المختلفة. وقال أبو صالح يرجع هذا القصور الواضح إلى غياب الرؤية الإستراتيجية والعقل الإستراتيجي، لأن الإرادة السياسية ضعيفة والخلافات السياسية كلها كانت دون مستوى المصالح ولم يكن هنالك خلاف حول قضايا إستراتيجية بل دائما كان حول كرسي السلطة وتقاسم السلطة، فنحن نحتاج إلى أن نرتقي بالتفكير في كيف يحكم السودان وليس من يحكم السودان.

موارد‭ ‬ضخمة‭ ‬تنتظر‭ ‬

من جهته، أكد د.عمر خالد أحمد أستاذ العلوم الإدارية بالجامعات السودانية، أن كثيرا من الحكومات العربية لم تهتم بعلم الإدارة بالطريقة المناسبة، وهو علم يمكن أن يحقق النهضة الشاملة، والناظر إلى موارد البلاد العربية المتنوعة وكوادرها البشرية يصاب بالدهشة، وتسيطر عليه التساؤلات كيف لهذه البلاد لاتحقق النهضة الشاملة في المجالات كافة؟ بما ينعكس عل حياة شعوبها، كتوفير الخدمات في مجالات التعليم والصحة والعيش الكريم، حيث تعاني كثير من الشعوب من واقعها الاقتصادي المتردي .

وقال د.عمر : نستطيع التأكيد أن مشكلة العالم العربي تكمن بالأساس في الإدارة، حيث نجد قوانين بالية ولوائح بالية وقديمة لاتتوافق مع ما انتظم العالم من متغيرات كبيرة في مجالات الإدارة والعمل الناهض،

مشيرا إلى أن دول الغرب مضت بقوة وهي تقدم الدعم للمشاريع التنموية وتولي اهتماما كبيرا لصغار المستثمرين ورواد ورجال الأعمال، لأجل واقع مزدهر، مضيفا أن مبادئ ومفاهيم ريادة الأعمال أصبحت عنوانا بارزا لكثير من المؤسسات والشركات، التي حققت نجاحات كبيرة خلال سنوات قليلة.

وأشار د. عمر إلى أن البلاد العربية بحاجة عاجلة لإعادة النظر في قوانين الإدارة والخدمة، والعمل على تطوير أساليب بيئة العمل، إضافة إلى أهمية أن تعيد الحكومات النظر في الأساليب المتبعة في الخدمة المدنية، وإحداث ثورة حقيقة في المؤسسات والشركات حتى تستوعب الكوادر المؤهلة وتبعا لذلك تتحقق الغايات المنشودة من تطوير ينقل هذه البلدان إلى مصاف الدول المتقدمة التي أولت قانون العمل اهتماما كبيرا وقدمت الدعم الوفير للمشاريع الناشئة والصغيرة والمتوسطة، كما قدمت حوافز ضخمة لصغار المستثمرين الذين حققوا إنجازات باهرة.

وشدد د.عمر خالد أستاذ العلوم الإدارية على أن عدم الاستقرار السياسي في كثير من الدول العربية، واختلال نظم الإدارة ألحق بها أضرارا كبيرة، مؤكدا على ضرورة بذل المزيد من الاهتمام حتى تنتقل هذه الدول من واقعها الصعب لتحقق النهضة المنتظرة، وأشار إلى أن مصر والسودان على سبيل المثال يجري فيهما أطول نهر في العالم، وبهما الأراضي الخصبة، التي من خلالها يمكن أن تسد حاجة العالم العربي كافة ويصدر فائض منتجاتهما الزراعية إلى دول الغرب ، مشيرا إلى أن بعض التعقيدات السياسية وعدم استقرار الأنظمة أضر بعملية التنمية في البلاد العربية، غير أن بعض هذه الدول ادركت أهمية الاستقرار السياسي ومعالجة نظم العمل، حتى تحقق الأرضية الصلبة لتنفيذ مشاريع التنمية.

الترهل‭ ‬الاداري

وفي ذات السياق، أكد أ. مامون محمد زين جلي « متخصص في الشؤون الزراعية والعلوم الإدارية» ، أن بعض دول العالم العربي تعاني من الترهل في إدارة مرافق الدولة ، وسوء تخطيط المشاريع التنموية بصورة عامة، في حين تتوفر لديها كل المقومات الطبيعية الهائلة، إضافة إلى الكادر البشري المؤهل للقيام بهذه المهام ، مبينا أن كثيرا من الدول العربية تمتلك إمكانيات قد لاتتوفر لكثير من دول الغرب غير أنها لا توليها الاهتمام اللازم الذي بموجبه كان يمكن أن تكون في طليعة دول العالم .

وقال د.مامون: «كثير من دول الغرب أولت النظم الإدارية اهتماما كبيرا، واتخذت من ريادة الأعمال عنوانا لأعمالها، لذلك حققت نجاحات ضخمة، وهو أمر كان يمكن أن تحققه دول عربية عديدة، لولا ضعف الإدارة التي تتخندق خلف قوانين ونظم إدارية بالية لم يكتب لها التطور، باستثناء بعض الدول وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي قدمت من خلال القطاعين العام والخاص دعما غير محدود للمشاريع الناشئة والصغيرة والمتوسطة، وفقا لبرامج ومبادرات رؤيتها الطموحة 2030م في كل المجالات والتي من شأنها أن تنقل المملكة لمصاف دول العالم الأول، وهي تجربة يجب على الدول العربية الاستفادة منها.

وشدد جميع المتحدثين على أن ريادة الأعمال أصبحت أسلوبا ونهجا بارزا، تطبقه مختلف دول العالم، حيث استطاعت من خلاله أن تحقق نجاحات كبيرة خلال سنوات قليلة.

اظهر المزيد
إغلاق