مقال

الحوكمة الإسلامية

سلطان سعود السجان

من المؤسف غياب مفهوم أو مبادئ أو حتى ذكر الحوكمة الإسلامية عن خواطر وعقول الكثير من مختصي وخبراء الحوكمة في عالمنا الإسلامي. الحوكمة الإسلامية يا سيدات وسادة، تتميز عن غيرها بوجود “حلاوة” وسأخبركم بطعمها في نهاية هذه المقالة وهي أيضا حوكمة عميقة جدا بل وفيها الكثير من الإختلافات الفقيهة المذهبية ومساحة كبيرة من الإجتهادات مازالت متوفرة، وأتمنى من إحدات المنظمات الإسلامية العالمية تبنيها –أقصد هنا بالتحديد البنك الإسلامي للتنمية – وأدعوها للنظر إلى مفهوم الحوكمة الإسلامية وتطبيقها على مستوى الدول المساهمة والمشاركة والمستفيدة من البنك وخصوصا بعد تولي إدارة جديدة ذات منهجية قيادية منفتحة.

بدأت الحوكمة الإسلامية في زمن سيدها وقائدها محمد صلى الله عليه وسلم في حديث الصحابي الذي رجع من مهمة إرساله “استعمله” النبي عليه السلام لجمع زكاة من أرض البحرين – البحرين سابقا حدودها من البصرة إلى قطر جنوبا ومن الأحساء شرقا إلى مملكة البحرين غربا. وعندما عاد الصحابي قال لهم : “هذه لكم وهذه لي” ، وقصد منها أن هذا الجزء من العطايا هي الزكاة والباقي هي هدية أُهديتها من أهل البحرين فغضب عندها النبي عليه السلام غضبا شديدا وصعد المنبر وقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: “أما بعد، فإني أستعملُ الرَّجُلَ منكم على العمل ممّا ولاني الله، فيأتيني فيقول: هذا مالكم، وهذا أُهدِيَ إلىَّ! أفلا جلسَ في بيتِ أبيه وأمه حتىتأتيه هديته … إلخ. هذا الحديث هو تأصيل شرعي قانوني لمفهوم النزاهة والقضاء على الفساد التي هي من أسس الحوكمة.

ثم تطورت الحوكمة إلى مستوى أعلى في زمن عبقري الخلفاء “عمر بن الخطاب” رضى الله عنه عندما تبنى مفهوم توزيع الأدوار والمسؤوليات. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أرسل عمر ثلاثة رجال لإدارة العراق ولكل واحد منهم قوة إدارية يتملكها تقارع قوة الأخر. فالأول هو والي العراق وهو الصحابي أبو موسى الأشعري والثاني مسؤول بيت مال المسلمين وهو عبدالله بن مسعود رضى الله عنهما والثالث هو القاضي شريح الكندي. وقد مكن عمر كل واحد منهما في استدعاء الرجلين الأخرين من أجل العدالة. فالقاضي شريح يستطيع وبكل بساطة استدعاء والي العراق وإنزال الأحكام القضائية عليه حسب الإختصاص وهكذا بين الثلاثة.

ثم بدأ مفهوم الحوكمة في التوسع وبدأت المذاهب الفقيهة فيه تتشعب فمثلا كتاب الأحكام السلطانية المكتوب قبل عام 450هـ من الفقيه العلامة “أبو الحسن الماوردي” الذي تحدث عن الحوكمة من منظور شافعي بحت وجاءه التفاعلي في كتاب يشابه اسمه وهو كتاب الأحكام السلطانية للفقيه العلامة “أبو يعلى الفرائي” من منظور حنبلي – ت عام 458هـ – وكلاهما يمتلكان نفس مستوى الإثارة. أما أشهر تلك الكتب وأحبها إلى قلبي هو كتاب الولايات ومناصب الحكومة الإسلام والخطط الشرعية للعلامة الفقيه “أبوالعباس الونشريسي” وهو مالكي المذهب وقد لخص الحوكمة كلها في كتابه وعدد صفحاته 42 صفحة واستعان بـ 38 مرجع. بالمناسبة كان مصطلح “حكومة” يقصد بها “حوكمة” عند المسلمين ولكن حصل ما حصل.
عصارة القول، الحلاوة التي حدثتكم عنها في مطلع المقالة هي “حلاوة الإيمان” ثم ننتظر أحدهم أن يتبنى ويفعل الحوكمة الإسلامية على سطح أرضنا.

اظهر المزيد
إغلاق